نيروز الإخبارية : من الملامح البارزة في الرواية احتواء المقاطع الحواريَّة بين الشخصيَّات على مساحات واسعة من الإحالة للخطابات الفنيَّة التي جاءت سياقاتها متنوعة بطبيعة الحوار: ( -وفد من ألمع نجوم السينما المصرية تتقدَّمهم الفنانة نادية لطفي يقوم بزيارة تضامنيَّة مع الثورة الفلسطينية في لبنان ص٨٤).
إنَّ الغاية من هذا الحوار وجود اشتراطات لسانيَّة ونصيَّة، هي ضبط استراتيجيَّة التأويل، وتوجيه حريَّة القارئ، وليست فرض تأويل أحادي بشكل مسبق على الحوار.
وعلى الرغم من أنَّه لا وجود للحوار خارج تأويله، فإنَّ القراءة لا يمكن أن تتعارض مع بعض المعطيات الموضوعيَّة في الحوار، ذلك أنَّ إهمال القارئ لهذه المعطيات قد يؤدِّي إلى تشويه الحوار، وبالمقابل فإنَّ إرهانه لها ينبِّه بوظيفة الإبراز الذي يفرض بعض عناصر السلسلة التعبيرية، كما سرد الأخرس على الشكل الأتي: (تهافت الوفود الشعبيَّة والشخصيات السياسيَّة لزيارة معروف سعد في مستشفى الجامعة الأمريكية ص٩٠).
ومن منظور المقاربة النصيَّة للحوار، لا تتمظهر مواقع الشكِّ واليقين داخل النص في صورة خطيَّة أو منفصلة، بل تتداخل وتنتشر على امتداد مقاطع النص، لأنَّها تخضع لتوزيع النص حسب مقتضيات مفاهيمة وسياسيَّة، وأيضاً حسب قصديَّة الكاتب: (يعقوب زيادين يصرِّح بأنَّ قرارات مؤتمر الرباط بخصوص منظمة التحرير يجب احترامها وعدم إفراغها من مضمونها ص٨٧).
وكما يشكِّل عنوان الرواية امتداداً بنائيَّاً ودلاليًّاً للنص ويكون له نصيب من الجنينات الكامنة في سائر خلاياه، فإنَّه يكون بمثابة عتبة نصيَّة أولى تكتنز مفاتيح الدخول إلى مستويات النصِّ البنائيَّة والدَّلاليَّة، وهذا ما يتحقَّق في عنوان رواية "سافوي"، لذلك ستكون وقفتنا الأولى مع العنوان.
ماكيت: يمثل الدالُّ ماكيت الشطر الأول من العنوان، ويمكننا توصيف الماكيت بإيجاز بأنَّه موضوع شخصيات تمثُّل موضوعاً لفكرة، ولكن بنسبٍ وأبعادٍ مختلفة، ومن ذلك التوصيف الموجز سنستخلص حزمة من العلاقات الزمنيَّة، يمكنها ربط الماكيت بموضوع تمثيله. وثانياً: على المستوى الزمني فإنَّ الماكيت قد يوجد وجود الموضوع المكانيِّ الذي يمثِّله: (عاد الصباح مرَّةً أخرى كحالِ غيره من الأيَّام، وعادت معه معاناتي مع ذلك الحلم، وعبثاً أستطيع فكَّ الطلامس. أنتظر قادمَ الأيَّامِ وما تحمله معها من تلك الأحلام، لعلِّي أمسك بطرف خيط يقودني إلى فهم ذلك الحلم ص٧).
أمَّا أن يوجد الموضوع الذي يمثُّله الماكيت قبل وجود الماكيت، فهنا يشير الماكيت من زمنه الحاضر إلى الماضي، حيث يحاكي الفنُّ الماكيتَ الواقع، وعلى المستوى البنائيِّ نجد الماكيت والموضوع الذي يمثله يتشابهان في الأطر البنائيَّة والتنظيميَّة: (كانت قد انهارت فجأة عندما علمت الحاجة أنَّ ابنها الشهيد كان مسجَّى في نفس ذلك المكتب في دمشق عندما حضرت مستنجدة بأبي جهاد لاستعادة ابنها الآخر ص٥٤). وتلك العلاقات تجلو لنا بعضاً من طبيعة الماكيت بوصفه عنصراً ثقافيًّاً، حيث نجدها طبيعيَّة بينيَّة تتأسَّس على شريط حدودي بين عالمين متباينين: الحاضر/الماضي، والحاضر/ المستقبل؛ واقع يحاكي الفن: (كنت إذا أنصتَّ تسمعُ صوتَ الدموع، وإذا أنصتَّ أكثر تسمع أنين تلك القلوب، كنت إذا نظرتَ بالنسوة الملتحقات بالجنازة والتشييع رأيت عروق أكمامهنّ تختلط مع عروق أوردتهنّ، كان الجمال يزداد جمالاً حينما ترى تلك العروق والأكمام تمارس ما أجبرها الدهر على إدمانه ولا تنكسر. ص٥٩).
كما يمثِّل دالُّ "الشخصيات" الشطر الثاني من العنوان، فيحفِّز التساؤل عن طبيعة "الفكرة" الماكيت التخييلة والعلاقة بينها وبين الفكرة التاريخيَّة لمقاومة المحتلِّ الإسرائيلي، ففكرة الماكيت تمثِّل فضاءً نضاليَّاً يستمد معطياته من الفكرة التاريخيَّة باقتصاد شديد، مثل أسماء الشخصيات والأماكن والرموز العربية التاريخيَّة: (حدَّثَنا عن عبدالناصر وهنا أطنب وأسهب، حدَّثَنا عن قوَّة الصبر والاحتمال وعن الحاجَّة سرحانةص٦٨).
ولإيضاح تلك الطبيعة البنيويَّة بين الواقعيِّ والسحريِّ نستعرض- بتحليل بسيط- الجزء التالي من البرنامج السرديِّ لماكيتِ العنوان: (لم يبخل علينا موسى طلالقة والحلواني في استعراض رحلات عذابهم وشقائهم هم وعائلاتهم، لم ينسوا صور تلك المآسي والمجازر التي تسبب بها الاحتلال عند النكبة كدير ياسين والدوايمة والطنطوريَّة وكبرياء وناصر الدين واللِّد وكفر قاسم ص١٧٩).
والحدث السرديُّ لماكيت العنوان- والأخير في تلك السلسلة- متمثِّل في سقوط الشهداء: (وجدت بندقية وثلاث مخازن ومكثتُ بين الجثث، كنت مثلهم لا يفرِّقُني عن الموت شيء، لكنَّهم كانوا الأجمل، اختاروا سريعاً طريقهم للسماء وحجزوا نجمتهم هناك وبقيت أنا وحدي أثأر لهم وأقدِّم لهم أسمى آيات البقاء ص٢١٩).
مهند الأخرس في روايته "سافوي" وظَّف العنوان كآليَّة للسَّارِد على مدار الرواية؛ للتمييز بين الشخصيات في الماكيتات وبين أسمائها للانتقال من ماكيت إلى آخر.