وصَّّى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالرِّفق بالحيوان وبيّن أجر حسن معاملة الحيوانات، ومن الأحاديث التي جسَّدت هذه الوصيَّة ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن شدّاد بن أوس -رضي الله عنه- قال: "ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُما عن رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، وفيما يأتي شرح لهذا الحديث:
"إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء"
أي فَرَضَ وأَمَرَ، والإحسان ضدُّ الإساءة في كلِّ شيءٍ وهذا شاملٌ وعامٌّ للإنسان والحيوان حيًّا وميتًا، وفي هذه الجملة إشارة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أُرسل رحمةً للعالمين، وأنَّ لأمَّة محمَّد النَّصيب الوافر من الرَّحمة والإحسان إلى جميع الكائنات.
"فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة"
القِتلة بكسر القاف، ويكون الإحسان بها من خلال اختيار أسهل الطُرق الممكنة وأقلّها ألمًا وعذاباً، والقتل يكون لما لا يراد أكله، كقتل حيوانٍ لا يؤكل لحمه؛ كالكلاب والقطط مثلاً إن كان وجوده مؤذياً أو أيِّ حيوانٍ يُخشى منه.
"وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"
الذِبحة بكسر الذال وهي كالقتلة، والإحسان فيها يكون باختيار الطريقة التي تُسبّب ألمًا أقل للبهيمة المراد ذبحها، والذَّبح يكون خاصًا لما يؤكل من الحيوانات كالغنم والبقر وما سواهما.
"وليحدّ أحدكم شفرته"
المراد بالشَّفرة هو السِّكين، وحدُّها يكون بحكِّها بما يجعلها تُصبح حادَّةً قويَّةَ القطع ويحصل بها الذَّبح بسرعةٍ كي لا يُعذَّب الحيوان فترةً طويلةً قبل خروج الرُّوح.
"وليرح ذبيحته"
اللَّام للأمر أي ليريح البهيمة عند ذبحها حتى لا تتعذَّب، فيمرر السِّكين بسرعةٍ وقوَّةٍ، لتخرج روحها بأسرع وقت ممكن دون أن تتعذب، وقيل إنَّ المراد إراحتها وتركها حتَّى تستريح وتبرد، وقال الصنعاني: "هو من أراح الله فلانًا أدخله في الراحة، والمراد سرعة إزهاق الروح ولا يعذبها، والذبيحة فعيلة بمعنى مفعول، وسميّت مذبوحة لمسارعتها إلى الذبح".
حديث نبوي ينهى عن قتل الحيوان عبثاً
نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن قتل الحيوانات عبثًا أي بدون حاجةٍ، وصيدها لأجل الَّلهوِ والَّلعب فقط، حيث ورد في حديثٍ ضعيفٍ أخرجه بعض أهل العلم في كتبهم أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن قَتَلَ عُصفُورًا عَبَثًا عَجَّ إلى اللهِ يَومَ القِيامَةِ يَقولُ يا رَبِّ إنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا ولَمْ يَقتُلْنِي مَنْفَعةً).
كما نهى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن تجويع الحيوانات وتعريضها للهزال والضَّعف وإرهاقها بكثرة العمل وتحميلها ما لا تطيق، فعن سهل ابن الحنظلية الأنصاري -رضي الله عنه- قال: (مرَّ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ببعيرٍ قد لحِقَ ظَهْرُهُ ببطنِهِ فقالَ اتَّقوا اللهَ في هذهِ البَهائمِ المعجَمةِ فاركَبوها صالِحةً وَكُلوها صالحةً).
حديث نبوي يحذر من الإساءة للحيوان
إنَّ الإساءة للحيوانات قد تؤدِّي إلى تعذيب المسيء عذابًا أليمًا في الآخرة، واعتبر= من يفعل ذلك قد ارتكب معصيةً يُعاقب عليها، والدَّليل ما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ، لَمْ تُطْعِمْها، ولَمْ تَسْقِها، ولَمْ تَتْرُكْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ).
ومن كمال شفقته ورحمته بالحيوان نهيه -صلّى الله عليه وسلّم- عن جعل الحيوانات هدفًا للعب، فعن سعيد بن جبير -رحمه الله- قال: (مَرَّ ابنُ عُمَرَ بفِتْيَانٍ مِن قُرَيْشٍ قدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِن نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقالَ ابنُ عُمَرَ: مَن فَعَلَ هذا لَعَنِ اللهُ، مَن فَعَلَ هذا؟ إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شيئًا فيه الرُّوحُ غَرَضًا).
أحاديث نبوية أخرى عن الحيوان
إنَّ الأحاديث النَّبويَّة التي تأمر بالرِّفق بالحيوان وتوضِّح ثواب الإحسان إليها كثيرةٌ، وفيما يأتي بعضٌ منها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (بيْنَا رَجُلٌ بطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ له فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، وإنَّ لَنَا في البَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقالَ: في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا في يَومٍ حارٍّ يُطِيفُ ببِئْرٍ، قدْ أدْلَعَ لِسانَهُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَعَتْ له بمُوقِها فَغُفِرَ لَها).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ: لِرَجُلٍ أجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأمَّا الذي له أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللهِ، فأطالَ لها في مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ، وما أصابَتْ في طِيَلِها مِنَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ كانَتْ له حَسَناتٍ، ولو أنَّها قَطَعَتْ طِيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أوْ شَرَفَيْنِ، كانَتْ أرْواثُها حَسَناتٍ له، ولو أنَّها مَرَّتْ بنَهَرٍ فَشَرِبَتْ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَسْقِيَها، كانَ ذلكَ له حَسَناتٍ، ورَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّيًا وسِتْرًا وتَعَفُّفًا، ولَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ في رِقابِها وظُهُورِها فَهي له كَذلكَ سِتْرٌ..).
عن محمود بن الربيع أنّ سراقة بن جُعشم قال: (يَا رَسُولَ اللهِ الضَّالَّةُ تَرِدُ عَلَى حَوْضِي، فَهَلْ فِيهَا أَجْرٌ إِنْ سَقَيْتُهَا؟، قَالَ: اسْقِهَا، فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرًا).