مدينة عمَّان عاصمة الاردن هي في نظرالمؤرخ النشط والعاشق لهذا المكان العربي الأبي هي : " اجمل عاصمة في الدنيا، وهي دُرَّة التاج الهاشمي، وهي فيلادلفيا مدينة الحُب والوئام الأخوي, ومدينة الامن والأمان".
ويقول العرموطي: " من يقصد عمَّان يعشقها، ويُحب أن يعود إليها.. فالعمَّانيون والعمَّانيات وعشائر عمَّان الكرام الذين يُحيطون بعمَّان احاطة السوار بالمعصم هم أناس طيبون ويمتازون باللطافة والمعشر الجميل والشهامة والكرم والاصالة والنخوة ".
هذا ففي الجزء (11) من موسوعته الضخمة " عمان ايام زمان" والذي صدر مؤخراً بأربعة أجزاء يتحفنا الإعلامي الباحث المؤرخ عمر العرموطي بالمزيد من إلقاء الاضواء على عراقة تاريخ عمان من خلال شخصياتها واماكنها وأحداثها وحكاياها المشوقة .
•وصفية التل وشارع الطلياني
ومن ذلك مثلاً ما أشار اليه خلال لقاء له مع السيدة " وصفية التل " شقيقة السياسي المعروف " وصفي التل " وابنة الشاعر المعروف " مصطفى وهبي التل - عرار " سارداَ على لسانها ما يلي :
كان لدى والدي الشاعر "عرار" مكتبة عظيمة تحتوي على اهم الكتب، وبعد ان يقرأ كل كتاب كان يضع بداخله دفتر يكتب فه تلخيص لهذا الكتاب.. كان رحمه الله قارئا نهما ومثقفا جدا، وقد قام بترجمة رُباعيات الخيام.
وكان والدي يكتب في جريدة الأردن لصاحبها "خليل نصر ", وعندما كان يكتب والدي مقالاً في هذه الجريدة يوم الاثنين؛ كان يتضاعف عدد النسخ التي يتم توزيعها لهذه الجريدة, عِلماً بان والدي قد درس البكالوريا الحقوق او "المحاماة" في مدرسة عنبر او ما عُرف فيما بعد بـِ "جامعة دمشق" واصبح يترافع عن قضايا الناس.
وعندما اقام والدي بالشام كان يتردد على النادي العربي وكان من اصدقائه فخري البارودي.
وكان عرار شاعرا وسياسيا وقد افتتح مكتبا للمُحاماة بالقرب من فندق الملك غازي بعمان.. وكان في معظم الحالات لا يأخذ اتعابا مقابل ترافعه بالقضايا عن الناس ولا سيما من هؤلاء الناس الفقراء.
وانا "وصفية" كنت البنت المُدللة عند والدي..ووالدتي "عوفة السرحان" كان لديها رغبة بأن تسميني سميرة لكن المرحوم والدي والمرحومة والدتي "ام وصفي" قالوا:
وصفي ووصفية.
وقالت السيدة وصفية للمورخ العمَّاني العرموطي : لقد درست الصفوف الابتدائية بعمان بمدرسة الزهراء التي كانت بالقرب من منزلنا عند المستشفى الطلياني بجبل الاشرفية.. واتذكر من زميلات الدراسة بنات "محمد الضباطي"الذي كان يعمل بالديوان الاميري عند الامير عبدالله الأول- الملك فيما بعد- واتذكر بان بنات محمد الضباطي في يوم من الايام عزمونا عندهم بالمحطة بعمان في منزلهن.
وكنا نلعب بالحارة عند المستشفى الطلياني نط الحبلة والاكس وألعاب البنات، علما بان والدي كان قد احضر للاطفال العابا كثيرة داخل منزلنا..واتذكر انه عندما كان عمري 6 سنوات كنت ألعب الشطرنج.
وانا اعتبر نفسي عمانية وكذلك احب اربد كثيرا، لانها مسقط رأسي، وكذلك السلط لها معزة خاصة عندي، فأنا "ماخذة الكثير من السلطية".
واتذكر في الاعياد - عيد الفطر وعيد الاضحى - كنا ننزل الى المدرج الروماني حتى نلعب على "المراجيح" انا واختي "عليا".. وعندما كان اقاربي يأتون من اربد الى عمان كنا نذهب معا الى "المراجيح".
•آل ملحس بين التجارة والطب
وفي هذا الجزء (11) من موسوعة العرموطي عن عمَّان اشارة ولقاء مع الكابتن الطيار " مشهور ملحس" وهو من احد أفراد "عائلة ملحس" الشهيرة في عمان, حيث كانوا في بداياتهم تجار, وكانت لهم علاقات تجارية مع تركيا وفلسطين بالثلاثينيات من القرن الماضي (تجارة الاقمشة والاجهزة الكهربائية).. وكانت محلاتهم التجارية بشارع المحطة.
وكذلك كانت لديهم العديد من كالات السيارات مثل سيارات الروفر واللاندروفر في شارع المحطة.. ولديهم ايضاً مستودعات للاقمشة وغيرها من البضائع.
ومن المهم هنا ان نذكر "مستشفى ملحس" الذي اسَّسه الطبيب الانسان المرحوم قاسم ملحس هذا المستشفى الذي يعتبر من تراث عمان القديمة, وكان من آل ملحس الاطباء المعروفين والمشهورين ومنهم : د. زهير ملحس، د. عبدالرحيم ملحس, د.حازم أمين ملحس, د.عمر زهير ملحس, وقد اصبح منهم أربعة وزراء في الحكومات الاردنية السابقة.
اضافة الى عدد كبير من آل ملحس كانوا من كبار الموظفين بالدولة الاردنية, وعدد كبير منهم من التخصصات العلمية:مهندسين، واطباء، ومحامين وطيارين وتربويين.
ومنهم كذلك: المرحوم زهدي ملحس صاحب مصنع البوظة والآيس كريم واول سوبرماركت في عمان, وولده محمود زهدي ملحس وكيل مجموعة تجارة منها الجاكوار والمحمودية للتجارة، و منهم المرحوم سعيد عبدالفتاح ملحس كبير وكالات السيارات, والمرحوم احمد ملحس، وخلدون ملحس وكلاء الاجهزة الكهربائية والاقمشة وغير ذلك, والمرحوم لطفي ملحس وراغب ملحس وأمين ملحس خبراء التربية والتعليم.
لذا كان لآل ملحس خدماتهم تجاه العاصمة عمان وتجاه الاردن بشكل عام..وهم من أهم المؤسسين في العاصمة عمان.
•ذكريات الكلية العلمية الاسلامية
ومن ذكريات الكابتن الطيار مشهور ملحس التي سردها للمؤرخ العرموطي:
لقد كان الدي المرحوم الحاج خالد نافع ملحس مغرما بالارض والزراعة, فقد زرع بستانا جميلا في الستينيات من القرن الماضي بالقرب من فندق الشرق الاوسط , وفيما بعد تم انشاء شارع "الجاردنز" والذي مر بجانب بستاننا هذا واصبح يُعرف هذا الشارع الآن بِـ (شارع الشهيد وصفي التل) والذي يعتبر الآن من اهم الشوارع التجارية بالعاصمة عمان.. وقد زرع المرحوم والدي هذا البستان بالاشجار المثمرة والزيتون.
وعندما قام المرحوم والدي بزراعة هذا البستان قال بعض اهالي عمان- انذاك - بأن خالد ملحس قد ذهب الى آخر الدنيا أي الى ابعد مكان في عمان!!.
وعن ذكريات الكابتن مشهور عن مدرسته الكلية العلمية الاسلامية بجبل عمان يقول : كنا نذهب مشيا على الاقدام في الايام غير الماطرة وكأننا ذاهبون في نزهة.. كذلك اذكر بان زملائي بالمدرسة لم يكونوا بالضرورة من نفس صفي او من المرحلة الدراسية التي كُنت فيها؛ فقد كانوا اكبر او اصغر من صفوفنا, فكنا نعرف بعضنا البعض - بالشلة - , وكانوا في مراحل مختلفة من المراحل الدراسية.. فقد كان هناك: ابناء ملحس وابناء الكباريتي وابناء الحاج حسن ابو الراغب والمرعي وابناء فرعون والنابلسي وعصفور والبقاعي والعرموطي وبدير والنوري والفايز والصالح والعلمي.. وبلا شك والحمد لله فقد عشنا حقبة جميلة ومتناسقة من الزمن القديم الجميل.
واتذكر من الاساتذة: لطفي ملحس (ابو الفرسان)، وابو نبيل ملحس، وعلى رأس القائمة معلمي الاستاذ بشير الصباغ- رئيس الكلية - وأنور الحناوي - مدير المدرسة.
وعندما كبرت وتعلمت الطيران كانت بداية عملي كطيار في الملكية الاردنية.
واتذكر من الزملاء في الملكية الاردنية الاخ الكابتن بشير عبدالهادي، والمرحوم الكابتن زيد طوقان، والمرحوم الكابتن نصري جميعان، والكابتن المرحوم جهاد ارشيد، والكابتن الطيار زيد كلبونة.
•سليم بن فائق القبطي
وفي لقاء المؤرخ العرموطي مع سليم القبطي وهو ابن الفنان السينمائي الشهير وصانع الاحذية المعروف لجلالة المرحوم الملك الحسين " فائق القبطي" تحدث سليم القبطي موضحاً:
محلات مصنع احذية القبطي اسسها والدي " فائق القبطي" سنة 1952 ولم يكن لوحده بل كان معه اخوانه "اعمامي" : جميل القبطي، وصليبا القبطي، وعيسى القبطي.. حيث كان هذا العمل صناعة وطنية اردنية مفتخرة.. ومع الوقت كبر هذا المصنع واصبح مشهوراً جداً.. وصرنا نعمل احذية جلالة الملك حسين رحمه الله.
وكانت البداية مع جلالته أنه في العام 1962 أقيم معرض للصناعات الاردنية في الجامعة الاردنية .. حيث تعرّف والدي على جلالة الملك حسين عندما زار جناحنا ورأى اتقان بضاعتنا من الاحذية المصنوعة محلياً، فأُعجب بها كثيرا.. ثم تواصلنا معاً وفصّلنا له بعض أحذية, واعطانا براءة ملكية, وكتبنا على آرمة محلنا في شارع بسمان (صانع الاحذية الخاص لجلالة الملك المعظم) ..وطبعا كان يتعامل معنا كبار الشخصيات الاردنية وحتى العالمية.
ومما يتذكره سليم القبطي عن علاقة والده مع جلالة الملك الحسين سرد للمؤرخ العرموطي ما يلي:
كان لجلالته معنا العديد من الذكريات.. فقد كان والدي ذات يوم عند جلالته في القصر ليأخذ مقاس رجله كي يصنع له حذاءً ..طبعا كان الملك جالسا على الكرسي ويجب عندما نأخذ القياس ان يكون واقفا.. فطبعا كيف سيقول له والدي (سيدنا قِف) فقال له: ما بعد الجلوس؟! فقال له الملك: الوقوف، فقال له:والله يا ابا سليم الافضل ان تكون انت دبلوماسي.. قل لي من البداية قف .. فقال له: من انا حتى آمرك؟!..لا استطيع ان آمرك يا سيدنا..فجاءت لفتة جميلة جدا منه .
ثم هناك كان شيء آخر قمنا بتفصيل (بوت لمّيع) لجلالة الملك حسين وذهب الى فرنسا وقابل رئيس فرنسا آنذاك شارل ديغول فرأي (البوت اللميع) بقدم جلالة الملك.. فقال له: هذا البوت من اين؟ اريد واحدا مثله واضاف ديغول: اعتقد انه من باريس!! ولم يتوقع انه صناعة اردنية.. طبعا نفتخر بذلك وجلالة الملك كان يفتخر بالصناعة الاردنية.
فلما عاد الى عمان قال له والدي: نعم سيدي لكن كم مقياس قدمه؟!.. فقال جلالته: هو ما شاء الله طويل نفصل له ثلاثة مقاسات 46 و47 و48 والذي يصلح نُعطيه اياه.
فعملنا له الثلاث مقاسات وذهب الوالد عند جلالة الملك واعطاه اياهم، وجلالة الملك ارسهلم لصديقه ديغول رئيس فرنسا آنذاك.
•يوسف المرزوق العبادي
وكان د. محمد عبدالحفيظ المناصير قد خص موسوعة عمر العرموطي "عمان ايام زمان" بدراسة حول ذكريات الحاج يوسف مرزوق مقبل سالم سليمان سالم حامد محمد حامد محمد العونة المناصير العبادي (أبو ممدوح) الذي وُلد في البحّاث بوادي الشتاء حوالي عام 1920م.
ومما جاء في الدراسة ان الحاج يوسف مرزوق هو علم من اعلام المناصير وعبّاد، وقامة عالية من قامات البلقاء، عرفه القاصي والداني بكرمه وجوده وسماحته وطيبته ونخوته العربية.. وقد تلقى الحاج يوسف المرزوق قليلا من التعليم في الكتاتيب تحت ظلال اشجار البلوط وفي البيوت القديمة بقرية وادي الشتاء.
وانتقل للسكن في وادي السير مركز القضاء الذي تتبعه قرية وادي الشتاء حوالي عام 1941م سكن فيها لمدة خمس سنوات، ثم انتقل الى عمان فسكن (جبل النظيف) حوالي عام 1946، وكان يسكن جبل النظيف عدد من رجالات عبّاد والمناصير منهم الشيخ موسى النهار المناصير (ابو العبد) خال ابي ممدوح، والحاج حامد الحميدان الزيود (ابو الوليد)وعبدالحليم العواد المناصير (ابو صالح) وغيرهم، واستمر ابو ممدوح يسكن عمان الى عام 1982 ثم عاد الى مرج الحمام عام 1982م وبنى فيها داره المعروفة هناك.
وكان ابو ممدوح كذلك وجه من وجوه عمان, حيث يقوم باصلاح ذات البين ويعمل على قضاء حاجات الناس مع رجال الحكومة والدرك والمباحث, وكان يعمل في تجارة الحلال داخل الاردن ومع سورية وفلسطين.
ويقوي د. المناصير: لقد روى لي والدي الحاج عبدالحفيظ الدرويش المناصير وهو من اقارب ابي ممدوح وابناء عمومته؛ ان ابا ممدوح اشترك مع "عبدالقادر الحسيني" في جهاده ضد العصابات الصهيونية عام 1936, واشترك في "معركة " في الحي المُهوّد في مدينة القدس عام 1948م وقد جُرح في المعركة، وقد حاول اليهود اخذه من المستشفى وحاولوا اغتياله، ثم نقل الى السجن؛ حتى فحضر قريبه عبدالحفيظ درويش المناصير من الاردن, وقابل الحاكم العسكري البريطاني طالبا الافراج عنه.. الا انهم اخبروه انه مُتهم بقتل بريطاني!!.
وقد واصل عبدالحفيظ الدرويش المناصير متابعة السعي للافراج عنه مع الحاكم الانجليزي في القدس، ولم يفرج عنه الضابط الانجليزي الا عندما قال له والدي: انني جئت من عند كلوب باشا وانا من اصدقاء كلوب باشا فأكرم وفادته، وتم الافراج عن ابي ممدوح، فعاد معه الى اهله في الاردن.
واذكر ان ابا ممدوح في عام 1965م قام بدعوة الرئيس وصفي التل وحكومته على الغداء في منطقة العرقوب- الدبّة التابعة لقرية البحّاث- وقد كُنّا أطفالاً صغاراً حيث كان الطعام يأتي من عمان من "مطعم دار السرور" لأول مرة جاهزاً.