قام عاشق عمان ، المؤرخ عمر العرموطي ، وعلى مدى أربعة عشر عاماً ، بكتابة أطول رسالة حب في التاريخ ، عبَّر فيها عن حبه لمدينته في ستة عشر مجلداً ، أعاد فيها تعريفنا وتذكيرنا ، نحن أبناء عمان ، بكمية الذكريات والحب التي يحملها كل فرد منا ، ومدى حبنا للمكان الذي تشكلت فيه عواطفنا ، نفوسنا ، قلوبنا ، أفراحنا ، أحزاننا ، تطلعاتنا .. وكل مفردات كينونتنا.
تجتاحني الدهشة ويغمرني الإعجاب وأنا أقلِّب صفحات هذه المجلدات : أتأمل الصور ، أقرأ التعليقات ، أتعمق في بعض المقالات ، خاصة تلك التي تحكي سير الرعيل الأول من شيوخ العشائر الراحلين والأحياء : أغرفوا من معين حكمتهم التي هذبتها التجارب والسنين ، وأتباع نهج آبائهم وأجدادهم ، ثم ينقلني النص الى سيرة الملك المؤسس الشهيد ، وحفيده ملك القلوب ، الذي أحب الأردن والأردنيين ، فبادلوه الحب والإخلاص ، ليبنوا من الأردن واحة أمن واستقرار ، أهم ما فيها أن المواطن محترم ، وحياته مصونة.
ثم يأخذنا مؤرخنا الى رؤساء الوزارات ، الوزراء ، كبار العسكريين فلا ينسى أن يذكرنا بأنه كان للأرمن أيضاً ، إضافة الى العرب والشراكسة والشيشان ، ضباط كبار مثل كريم أوهان وهراتش اتيمزيان ، جاري القديم .
يثير المؤلف عاصفة من الشجن حين يتحدث عن جارينا القريبين : بهجت التلهوني وأحمد الطراونة ، فأتذكر كم أضحكنا العم أبو عدنان حين كان يوقف موكبه عندما يشاهد المرحوم والدي في الحديقة ، ليصيح به : "شلونك يا أقرع؟" ليرد عليه أبي "إسم الله على شاليشك" فقد كانا زميلي دراسة ، وكلاهما أصلع!
أصل الى مسيرة الجار الصديق الدكتور عبد الرحيم ملحس : توقف يوماً يتأمل صورة أشعة لرأسي ، سألته ... "شو في؟" فأجاب "مافي إشي ، فاضي من جوه !"
أتنقل في الصفحات ، لأعثر على مقابلات ومذكرات لزميل الدراسة خلدون أبو حسان ، وزميليّ في المجلس العشائري الشركسي الأردني المرحومين عمران خمش ومنير صوبر ، وأصل الى غالب الزعبي وسميح بينو ، فيملأني الحبور .
كذلك ، للمرأة نصيب كبير في موسوعة الحب ، ولعلي لا أنحاز إلا مكرهاً ، فأقرأ كل ما كتبه مؤرخنا عن السيدة المتميزة هيفاء البشير ، التي انتصرت على ترملها المبكر ، وربت أطفالها خير تربية ، ثم أنشأت دار الأسرة البيضاء ، أتبعتها بدار ضيافة المسنين ، ثم الجمعية الأردنية للتأهيل النفسي ، وبعده منتدى الرواد الكبار .
أمضي في رحلتي ، فتقابلني قصص أصدقاء والدي رحمه الله : سعيد المفتي ، الحاج محمد علي بدير ، الحاج أمين مرعي ، عزت قندور ، بين كثيرين من البناة.
ثم يعرج مؤلفنا على قطاع هام كانت له مكانة عالية في تطور حبيبته عمان ونموها ، هو قطاع العقار ، ليأخذنا في جولة مع الخبير المتميز الحاج مشهور جلوقة .
ويقترب من ميلي الثقافي ، فيعرج على الروائي المبدع عبد الرحمن منيف ، ولا ينسى نصير الأدباء الدكتور ممدوح العبادي ، الذي أخرج روايتي "والشتاء يلد الربيع" الى الدنيا ، بعد مكوثها حبيسة الأدراج ست سنوات.
تستمر رحلة السحر لتأخذنا الى الشعر والشعراء ، فيذكر الشاعرة سارة السهيل ، والأستاذ حيدر محمود ، والشاعرة غدير حدادين .
وحظيت عمان بالذكر في أربعة عشر كتاب : ابتداءً من محمود العابدي وحتى الدكتور عبد السلام العبادي.
في كل ما قرأته ، يصر المؤلف على ذكر إنطباعات كل من قابله من الشخصيات عن مدينته الحبيبة ، ولا يهمه أن يحدث التكرار ، فالمحب لا يمل من التغزل بحبيبته ليل نهار ، وهذا ما فعله عمر العرموطي.
شكراً لك يا صديقي ، أتحت لي المجال لأقدم مساهمة متواضعة في هذا العمل الهائل ، فتحت مصاريع القلب ، والمهجة العابقة بالذكريات .