يراهن الأردن على قطاع الفوسفات بشكل كبير لتطوير اقتصاده وتنمية صادراته التي تعتمد قطاع التعدين، وأيضاً تعزيز ضمان الأمن الغذائي، وهي أهداف تتوخى المملكة تحقيقها بفضل احتياطها الضخم من هذه المادة الحيوية، حيث حققت شركة مناجم الفوسفات قفزة قياسية هي الأكبر على الإطلاق في كميات الإنتاج خلال العام الماضي، ما انعكس بوضوح على العوائد وأرباح الشركة.
وبحسب بيانات وزارة الطاقة والثروة المعدنية يمتلك الأردن خامس أكبر احتياطي فوسفات في العالم بواقع 3.7 مليار طن، بعد كل من الصين والمغرب والولايات المتحدة وروسيا، حيث تسعى الشركة لتعزيز تنافسيتها وحضورها في سوق الفوسفات كإحدى الشركات العالمية، وتعزيز دورها كرائد وداعم للاقتصاد المحلي، وتحقيق المزيد من مكاسب قطاع التعدين الأردني، مما سيكون لها انعكاسا ايجابيا وكبيرا على قطاع الصناعات الغذائية، وبما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
وتعتبر صادرات الفوسفات الأردني أحد المقومات الرئيسة للنمو الاقتصادي، والتي تعول عليها الحكومة في زيادة حجم الإيرادات، بينما تعترضها الكثير من التحديات لمعالجة اختلال التوازنات المالية، حيث يستهلك استخراج الفوسفات في المملكة جزءً كبيرًا من الطاقة، فضلًا على استنزافه الموارد المائية، في حين تعاني المملكة نقصا حادا من المياة، وموجات جفاف جراء أزمة التغير المناخي.
قدمت شركة مناجم الفوسفات خطة مشاريعها الاستراتيجية للسَّنوات المقبلة التي تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، ومن ضمنها تأهيل تلال الرَّصيفة، ومصنع لإنتاج مادَّة فلوريد الألمنيوم، ومشروع معالجة مياه غسيل الفوسفات، ومشروع تعويم الفوسفات، ومشروع التَّخضير الكامل لجبل الجبس، ودراسة توسعة المجمَّع الصِّناعي في العقبة، ومشروع إنتاج حامض الفسفوريك النَّقي، بالإضافة إلى مشاريع لوجستيَّة كإنشاء مستودعات لتخزين الفوسفات، وتوسعة ميناء الفوسفات، وتحلية مياه البحر لتلبية احتياجات مصانع الشَّركة من المياه الصِّناعيَّة.
وهذا يتطلب من شركة مناجم الفوسفات العمل سريعا على زيادة الإنتاج بالاعتماد على الطاقة الخضراء، وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2050، حيث يمتلك الأردن إمكانات ضخمة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يكفي لتلبية ما يقرب من احتياجاته من الطاقة وتصدير الفائض، فضلًا على تطوير مشروعات في مجال الأسمدة باستعمال الهيدروجين الأخضر، ومشاريع النقل في أنابيب وسكك حديد تعمل على الطاقة النظيفة.
تتيح هذه الاستثمارات وفق سيناريو متفائل، بالاعتماد على إمكانات البلاد في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، ووضع حدّ لاعتماد الشركة على الواردات، مثل الأمونيا الذي يعدّ المكون الرئيس لإنتاج الأسمدة، التي يمكن إنتاجها من خلال الهيدروجين الأخضر، كذلك تستطيع الشركة جذب الاستثمارات في مصانع لإنتاج بطاريات الكهرباء التي تعتمد على المكونات المستخرجة من الفوسفات، وهذا سيعزز برنامج الاقتصاد الدائري الذي يرتكز على أربعة مبادئ، ألا وهي الحفاظ على موارد الفوسفات، والإنتاج المستدام، تشجيع الاستهلاك الكفؤ، وخلق القيمة من خلال المعالجة وإعادة التدوير.
وهنا لا نغفل دور العنصر البشري في عمل شركة مناجم الفوسفات بأنه الأثمن والأكثر أهمية في العملية الإنتاجية، لذلك يجب أن تتـرجم إلـى إجـراءات ملموسـة ومستمرة في تطوير الكوادر وإحلال الكفاءات الأردنية في الشركات التابعة، والسـعي للاعتنـاء بظروف مواقع العمل وفق مجموعة من المعايير والمقاييس البيئية والاجتماعية وممارسات الحوكمة، تذلل الصعاب وتفتح آفاقا للتجمعات الصناعية العنقودية، وتوطين العديد من الخدمات المساندة في مواقع الشركة.
تتنافس الدول في مقدرتها على التصنيع والإنتاج والتجارة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية لرفع الناتج الاقتصادي للدولة، والمساهمة في تنمية البلاد ورفاهية المواطن، غير أن أهم مصادر ديمومة الثراء لأي دولة نجده في القطاع الصناعي، الذي من خلاله يتم تحويل المواد الخام أو المكتملة جزئيا إلى منتجات متنوعة للاستهلاك المحلي وللتصدير لدول العالم، الأمر الذي سيحقق نهضة تنموية واقتصادية كبيرة وتوفير فرص عمل للمواطنين والمواطنات، بما يعزز من أهداف التنمية المستدامة.
إن الأردن استطاع تحقيق مكاسب عديدة على كافة الأصعدة جراء تطوير قطاع الفوسفات؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، جنت البلاد أرباحًا طائلة بفضل زيادة صادرات الأسمدة مستفيدة من القفزات السعرية وارتفاع الطلب العالمي، أما على الصعيد الجيوسياسي فقد استطاعت المملكة استغلال تراجع الإمدادات الروسية والصينية من الأسمدة لصالحها، ورغم ذلك فإن الفرص نادرًا ما تخلو من التحديات، ولهذا يتعين على شركة مناجم الفوسفات إيجاد حلول لتلك العوائق من أجل الحفاظ على استدامة المكاسب المحققة.