يطرح الباحث والمترجم المغربي محمد كزّو في كتابه "عقيدة الحقيقتين"، السؤال حول جدوى قراءة جاليليو جاليلي عربيًّا، محاولاً الإجابة عليه من خلال استلهام التجربة الثّوريّة الغربيّة في العالَم العربيّ، وبالتالي استحضار سياق حياة جاليليو الإنساني والفكري والعلمي بوصفه "ضربةٌ موجعةٌ أيقظت الذهن البشري بعامّة".
ويؤكد كزو أن إعادة قراءة هذا المفكر والعالم الكبير تمكّننا اليوم من فهم الجذور العِلميّة للحداثة الغربيّة، التي أفضت إلى حتميّة ما يسمّى "العَلمانيّة" بما هي فصل الدّين عن الدّولة، مّا يعني أنّها لم تكن أبداً اختياراً، بل ضرورة مُلحَّة فرضت نفسها بقوّة المُتغيِّر العِلميّ الحداثيّ الغربي، كما تمكّن من اكتشاف أقنعة أخرى للعالِم الفيزيائيّ جاليليو جاليلي غير معروفة في شخصيّته وتستحقّ الوقوف عندها.
ويقرأ كزّو في كتابه الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، هذه الشخصية ويحللها من خلال رسالة جاليليو إلى الأميرة الدّوقة كريستينا، حيث خاض فيها في الكتاب المقدّس وتأويلاته، وترتّب على ذلك وجود خصوم شرسين له عملوا على إبطاء مساره في العِلم والفيزياء، حجّتُهم في ذلك عدم الخروج على الطّرح الأرسطيّ الذي تتبنّاه الكنيسة، إلّا أنّ كياسة جاليليو وقوّة شخصيّته في الجدال والمشاكسة مكّنتاه من الرد عليهم بالأسلوب نفسه، ليخلص إلى كون الحقيقة واحدة وليست متعارضة؛ فجاءت هذه الرّسالة لشرح توافق النّصّ الدّينيّ مع الاكتشافات العِلميّة الحديثة، ولإظهار نواحٍ أخرى من شخصية جاليليو القويّة المؤمنة بما اكتشفه وأعلنه.
يؤكد الكتاب عبر محاوره الأربعة التي تناولت شخصية جاليليو جاليلي (الأديب، والجارح، والعالم، واللاهوتي)، أن هذا العالم لم يكن مجرّد مكتشِف اجترّ معرفة مَن سبقه وأعاد صياغتها بشكل أو بآخر، بل مثّل ثورة فكريّة شاملة زعزعت الجمود الفكريّ في العقول الممتلئة بالعقيدة الأرسطيّة البطليميّة.
ويشير كزّو إلى أن جاليليو كان مُحاوراً مشاغباً ومشاكساً، طويل النّفَس، لا يُغلَب بالجدال، يدافع عن نظريّة لم تكُن من اكتشافاته؛ إذ كان حافزه العِلم والمعرفة، ليعطي الأجيال اللاحقة درساً في التّجرّد والموضوعيّة والبحث عن الحقيقة والشّجاعة في الدّفاع باستماتة عنها.
ويوضح أن جاليليو رغم نبوغه وعلمه ودفاعه عن أفكاره، لم يتمكن من تجاوز العقول المتحجّرة آنذاك، وسقط في شباك المؤامرة المُحكمة التي نُصبت ضدّه، باتّهامه بالهرطقة وهو في السّبعين من عمره. وبعد الحكم عليه بالسجن المؤبد خُفِّف الحكم عليه وقُرّر وضعه في الإقامة الجبرية بمدينته فلورنسا، حيث عمل على نشر كتابه "حوارٌ بين عِلمَين جديدَين" الذي يتحدث عن التّماسك والسّرعة الثّابتة وحركة القذائف، كما نشر بحثاً عن "خطوط الطّول والعرض"، ثمّ أصيب بالعمى سنة 1638م، وقضى السّنوات الأربع المتبقّية من حياته في عزف الموسيقى، وزيارة تلاميذه الأوفياء له.
يذكر أن محمد كزّو، حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب، وإجازة في الدّراسات الإسلاميّة من جامعة القاضي عياض كلّية بني ملال، وهو أستاذ باحث في الفكر الإسلاميّ والفلسفة.