مر من معاهدة بنا أن بني صخر وأهالي شرقي الأردن قد وقفوا موقفاً حازماً من سايكس بيكو ووعد بلفور ومعاهدة سان ريمو، وأنهم رفضوا رفضاً قاطعاً الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومحاولات بريطانيا وفرنسا اقتطاعها من جسم الوطن العربي وجعلها وطنا قوميا لليهود ولما عقد الفلسطينيون مؤتمرهم العربي الفلسطيني الثاني في دمشق في السابع والعشرين من شباط سنة ۱۹۲۰م، بعد المؤتمر السوري العام الذي طالب بوحدة سوريا ومنها فلسطين، ورفض الهجرة اليهودية وفكرة الوطن القومي اشترك فيه شيوخ بني صخر ، وزعماء حوران والكرك ، ومندوبو اللجنة العليا للدفاع الوطني في دمشق، ومفوضون عن الأحزاب السياسية فيها، وجمعياتها وغيرهم، واتخذ المؤتمرون أربعة قرارات هي (١) :
أولا: إن أهالي سوريا الشمالية والساحلية يعدون سوريا الجنوبية (فلسطين) قطعة من سوريا.
ثانيا: رفض الهجرة اليهودية، ورفض جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود.
ثالثا : عدم الاعتراف بأية حكومة وطنية في فلسطين، قبل اعتراف الحكومة المحلية بمطلبي الفلسطينيين اللذين قدموهما إلى اللجنة الأمريكية، وهما: عدم فصل فلسطين عن سوريا، ومنع الهجرة الصهيونية إليها.
رابعاً: يعدون حركتهم الوطنية القائمة في البلاد للمطالبة باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية موجهة أيضا إلى إخراج المحتلين من الساحل وإلى إخراجهم من فلسطين كلها . واحتج بنو صخر على محاولة الصهاينة احتلال حائط البراق، فبعث مثقال الفايز وحديثة الخريشة برقية تأييد للمؤتمر الإسلامي الذي عقد في تشرين ثان ۱۹۲۸م برئاسة أمين الحسيني رفضا فيها كل مسعى لليهود في امتلاك حائط البراق، وهذا نصها ( جريدة الجامعة العربية، العدد ١٧٤ تاریخ ۱۹۲۸/۱۰/۱۸ م ص:۲) (مساعي اليهود لامتلاك حائط البراق آذتنا نحتج بكل قوانا على كل معتد من هذا القبيل، ونطلب تطميننا على مقدساتنا ) .
وكان بنو صخر يشاركون في إمداد الثوار الفلسطينيين بالأسلحة عام ١٩٣٢م.
فقامت السلطات البريطانية ببناء عدة مخافر جديدة في شرقي الأردن في مناطق: الأزرق، والمفرق وجسر بنات يعقوب بهدف منع تزويد الثوار بالأسلحة، وحماية خطوط أنابيب البترول من الهجمات التي تعرضت لها في آذار عام ١٩٣٢م (الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية ص: ۱۷۸) وشهدت عمان مظاهرات عنيفة، تم في إحداها رجم سيارة كلوب باشا ، وبعض الضباط الإنجليز، وذكرت صحيفة دوار ها يوم أن ثلاثة من بني صخر أطلقوا الرصاص على مستعمرة بحزقتيل. (جريدة فلسطين، العدد ٥٩، تاريخ ١٠ / ٥ / ١٩٣٢ م ص: (٦) (١) .
"ثم وقف الشيخ حديثة الخريشة وارتجل كلمة حماسية، أشار فيها إلى أحوال فلسطين والأردن منذ هزيمة الأتراك، فقوطع خطابه بالتصفيق الحار عدة مرات. ثم تحدث الشيخ سالم أبو الغنم وزعماء آخرون.
وفي نهاية المؤتمر أرسلت البرقة التالية إلى سمو الأمير عبد الله: ( أرفع إلى السدة الهاشمية واجب الدعاء، وطلب التأييد من رب للسماء معلماً مولاي أن مؤتمر القبائل العرية والمقاطعات الأردنية الذي أعرب في هذه البيانات الصادقة عن شعور العرب في سائر الأقطار، يرجو سموكم بذل نفوذ كم الشخصي والرسمي لدى رجال بريطانيا المسؤولين، بصفتكم وريث الثورة العربية الكبرى، لإحقاق حق العرب، وتنفيذ مطالب فلسطين القومية والشرعية ونكون مضطرين بحكم الاستفزاز الواقع من جراء الاعتداء على عرب فلسطين بصورة مخالفة للشرائع، ولوعود إنكلترا الرسمية للعرب أن نبادر إلى نجدة إخواننا دون تردد، كما تفضي بذلك التقاليد العربية التي أهمها النخوة والنجدة والعربي إذا انتخى يبيع روحه لأجل الغريب، فكيف لأجل أهله وبني قومه، وأطال الله بقاء مولانا أمير البلاد المعظم). (جريدة الدفاع، العدد ٦۳۸ ، وتاريخ ١٩٣٦/٧/١٠ م ص: ٦ ) .
كما رفع المؤتمرون البرقية التالية إلى وزير المستعمرات البريطانية، وإلى وزير الخارجية البريطانية بوساطة المعتمد البريطاني في عمان) جريدة الدفاع، العدد ٦٣٨، تاريخ ١٩٣٦/٧/١٠ م ص: ٦) : ( إن مؤتمر القبائل العربية والمقاطعات الأردنية المنعقد الآن الخميس ١٩٣٦/٧/٢م على حدود البادية في شرق الأردن، قد قرر مطالبة الحكومة البريطانية بوضع حد لاعتداء السلطات العسكرية في فلسطين، على المنازل والنساء وعلماء الدين والمصلى ، وعلى سائر الحرمات.
نلفت نظر رجال بريطانيا المسؤولين إلى نتائج الاضطهاد في نفوس عرب شرقي الأردن. وهو يرجو أن تنفذ بريطانيا العظمى وعودها للعرب، بإعطاء فلسطين مطالبها القومية المشروعة، وتأييد حريتها واستقلالها حقناً للدماء، وتطميناً لنفوس العرب. المضطربة في كل مكان، وتأييداً للسلام الدائم في الأراضي المقدسة).
وتم في المؤتمر فتح باب التطوع لمشاركة الثوار الفلسطينيين الدفاع عن فلسطين وكان أول المتطوعين حديثة الخريشة، ومجلي كليب الخريشة، ومشوح أبو اللبن، وعادل الجقة (عباس مراد: الدور السياسي للجيش الأردني ص ٣٣).
وسرت إشاعة بأن سمو الأمير طلال بن عبد الله يستعد للمشاركة في التطوع، فزاد حماس الناس، وقام الشيخ ماجد العدوان بإصدار تصريح بين فيه استعداده لنجدة فلسطين، فاستدعته سلطات الانتداب، ونزعت سلاحه قبل دخوله مركز الشرطة. ولولا تدخل الأمير عبد الله لحدثت اضطرابات كبيرة جراء ذلك.
وقام عدد من الشيوخ بتقديم الاحتجاجات على ما يجري في فلسطين ( جريدة فلسطين العدد ،١٥١ ، تاريخ ١٩٣٦/٩/٢٠ م ص: ٣. وجريدة الدفاع، العدد ۱۹٣٦/٤/٢٥٥٥٨م ص: (٥) .
وأرسل مثقال الفايز برقية إلى صلاح الدين الصالحي في فلسطين، حث فيها الشباب على الثورة، وأبدى استعداده لمد يد العون للثوار.
وكان يرى في الثورة الفلسطينية وسيلة لتحقيق الفكرة العربية الجامعة في الجزيرة العربية، والأقطار المجاورة المتصلة بها جغرافياً ولغوياً واقتصادياً (جريدة الدفاع، العدد ١٩٣٦/٦/٢٠٠١م ص: -٦- وجريدة فلسطين، العدد ۱۱۲ ، ۹ ٦/١٦٣٦ م ، ص: ٧).
ونشط الأردنيون في تشكيل لجان لجمع التبرعات لدعم أهالي فلسطين. ومن هذه اللجان والجمعيات جمعية نساء البدو، وجمعت حوالي ٣٥٠ جنيهاً، أرسلت إلى لجنة السيدات العربيات في القدس (جريدة فلسطين، العدد ٨٦، ١٩٣٦/٦/٢٣م، ص: ٧).
وأصبح الأردن ملاذاً وحيداً للثوار الفلسطينيين للراحة والعلاج، والتزود بالأسلحة وكان قاعدة أمنية لهم، يلجأون إليها عند الشدائد وقد مكث أمين الحسيني عدة أشهر في أم العمد والقسطل في ضيافة الشيخ محمد الفايز.
وكانت الصحف الفلسطينية تشيد بالمواقف الأردنية المشرقة تجاه الثورة والثوار (جريدة فلسطين، العدد ٢٥ ١٩٣٦/٣/١٨ م، ص: ٦- وكذلك التقارير البريطانية عن شرقي الأردن. وبعد أن أعلنت اللجنة العربية قرارها بدعوة الشعب العربي الفلسطيني إلى التوقف عن الإضراب والثورة، ابتداء من ۱۹۳٦/۱۱/۱۲م، بدأت البلاد تستعد لاستقبال اللجنة الملكية البريطانية للتحقيق في أسباب قيام الثورة.
وبعد صدور قرار اللجنة المذكرة في ٧ / ٧ / ۱۹۳۷م الذي يوحي بالتخلي عن الانتداب وتقسيم البلاد ثلاثة أقسام عارضت اللجنة العربية قرار التقسيم ، ودعت إلى عقد مؤتمر في بلودان في ٨/٨/ ۱۹۳۷م وحضره ٤١١ مندوبا ، منهم (۳۹) من شرقي الأردن.
وأكد المؤتمرون فيه عروبة فلسطين، وحق العرب في الدفاع عنها، كما بينوا أن الدولة اليهودية هي تهديد خطير للعالم العربي أجمع (جريدة الدفاع، العدد ۹٤٥ ۱۱/ ٩/ ١٩٣٧م، ص: ٤، ومحمد دروزة القضية الفلسطينية ١٦٧ : ١ . وفؤاد مفرج : المؤتمر القومي العربي في بلودان ص ١١٣ - ١١٤ . والعلاقات الأردنية الفلسطينية، ص: ۳۸ ) .
وبهدف تخفيف الضغط على الثورة الفلسطينية، فقد نفذت العناصر الثورية الأردنية عدداً من العمليات العسكرية ( العلاقات الاردنية الفلسطينية ص: (٣٩).
واستمر بنو صخر في دعم الثورة بالمتطوعين والسلاح في الفترة ما بين ۱۹۳۸م - ۱۹۳۹م. ومن أبرز الشخصيات الأردنية التي ساهمت في ذلك حديثة الخريشة ومثقال الفايز.
ولما عجزت السلطات البريطانية عن تحقيق أهدافها، قامت بإبعاد حديثة الخريشة، وصالح الغزاوي وعلي خلقي الشرايري إلى مناطق بعيدة على الحدود الصحراوية، نظرا لاستمرار دعمهم للثورة الفلسطينية وتزويدهم لها بالسلاح. " ( الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية ص:۱۹۸....