كان هناك رجل ثري جداً يمتلك الأراضي والعقارات والأسهم التجارية ولديه أرصدة في البنوك، لكنه رغم ذلك الثراء كله إلا أنه كان شحيحاً بخيلاً على نفسه وعلى زوجته وعلى أولاده وبناته، حتى بلغ الأمر بأفراد أسرته أنهم أصبحوا يشتكونه بالسرّ لأقربائهم ومعارفهم، بسبب قلّة المصروف الذي يقدمه لهم، وبسبب ندرة استجابته لطلباتهم الضرورية.
كان هذا الشخص دائماً يرتدي ثياباً رثة وينتعل في قدميه (زنوبة)، وهي كلمة شعبية تُطلق على الحذاء المطاطي من النوع الرديء الرخيص في الثمن.
وكان ذلك البخيل معتاداً أن يستيقظ في الصباح الباكر كيّ يمارس عمله اليومي كسائق أجرة يجوب الشوارع ويقطع المسافات بحثاً عمن يركب معه لكي يعطيه في نهاية المشوار قليلاً من المال الذي هو أساساً يمتلك منه الملايين!
وفي أحد الأيام وبينما صاحبنا البخيل يقود بسيارته الأجرة، إذ رأى شاباً يقف على الرصيف ويشير له بيده، وعلى الفور توقف البخيل بسيارته عند ذلك الشاب، فأنزل زجاج السيارة وسأله عن الوجهة التي يريدها؟، فأجابه الشاب أنه يريد الذهاب لإحدى وكالات السيارات العريقة والفاخرة. فأركبه معه وانطلق به نحو الوجهة التي يريدها الشاب.
وفي الطريق سأل صاحبنا البخيل الشاب الذي ركب معه: عفواً، هل أنت تعمل في وكالة السيارات تلك؟
الشاب: لا، بل أنا أريد أن أشتري سيارة جديدة.
البخيل متعجباً: وأين سيارتك القديمة؟
الشاب: لم تكن عندي أي سيارة، فأبو زنوبة لم يشتر لي سيارة رغم حاجتي الماسة لها.
وعند إحدى إشارات المرور توقف البخيل، فكانت الصدفة أن التقى الشاب الذي يركب معه بصديق له كانت سيارته تقف بجانبهما ، فأنزل كلاهما زجاج السيارة وبدأ بينهما الكلام، وفجأة أخذ صديق الشاب يبارك له ويهنئه على موت أبو زنوبة! ويسأله عن أحواله وأحوال إخوته بعد موته؟! فقال الشاب لصديقه: الحمد لله، كل أمور معيشتنا الآن ممتازة، وتبدل حالنا إلى الأفضل، واشترينا منزلاً جديداً، وفرشناه بأفخم الأثاث، وأخذنا نشتري كل ما نحتاجه ونأكل كل ما نشتهي.
حينها أضاء اللون الأخضر لإشارة المرور، وانطلقت السيارات وافترقا الصديقان، بعد ان ودع كل منهما الآخر، ثار الفضول في قلب ذلك البخيل وأخذ يتسائل في نفسه من يكون أبو زنوبه ذلك؟ الذي تكرر ذكره أكثر من مرّة في كلام الشاب مع صديقه، ولما هو فرِح لموته؟!
فما كان من البخيل إلا أن التفت نحو الشاب وسأله: عفواً، من يكون أبو زنوبة؟ فأجاب الشاب: أبو زنوبة هو الذي ورثنا منه أنا وعائلتي الكثير من المال.
البخيل: وهل أبو زنوبة هو جدك؟
الشاب: لا.
البخيل: هل هو عمك؟
الشاب: لا.
البخيل: هل أبو زنوبة هو خالك؟
الشاب: لا.
البخيل: هل إذاً أبو زنوبه هو أخاك الأكبر؟
الشاب: لا
البخيل: إذاً من يكون أبو زنوبة؟!
الشاب: أبو زنوبة الذي أتكلم عنه هو (أبي) !
فصُعق البخيل مما سمع! ودخل في حالة صمت لعدة دقائق، ثم عاد وسأل الشاب عن سبب تسميته لوالده بـ أبو زنوبة؟! فأجاب الشاب بأن الناس هُم من أطلقوا على والده هذا اللقب، وذلك لأن والده كان دائماً يرتدي الزنوبة في قدميه لبخله، الشديد رغم أنه يستطيع أن يشتري أجود وأجمل أنواع الأحذية في الأسواق!
في تلك اللحظة انتبه البخيل لنفسه وجحظت عيناه، وأخذ يسدد نظراته وهو يبتلع ريقه بغصة نحو قدميه، وهو يُمعن النظر في «زنوبته» التي يلبسها منذ زمن
اعزائي القراء انتهت الحكاية.
فمن كان منكم قادراً أن يسعد أسرته فليفعل وليجتهد في ذلك دون تأخير، ومن كان منكم أعطاه الله الوفرة في المال فعليه أن يجعل منها نصيبا يذهب في سبيل الله نحو المحتاجين، وأن يحذر أن يحاصره البخل ويصبح مثل أبو زنوبة من حيث لا يشعر!