ذكر الأستاذ المؤرخ جوت ناشخو في أبحاثه التوثيقية عن استقرار الشيشان والشركس في الأردن، أن للشيخ حديثة الخريشة الفضل الأول في إعمار مدينة الأزرق وإسكان الشيشان فيها ومنحهم الاراضي والمزارع وإعطائهم ما هو أهم من ذلك وهو الأمن والأمان، لأن العشائر البدوية المجاورة رفضت استقبال العنصر الشيشاني الجديد أو القبول بتواجده بينهم، إلا أنها قبلت بذلك لمهابة الشيخ حديثة الخريشة ومكانته الرفيعة وسريان كلمته على عشائر الرولة والسرحان والخريشة وبني صخر حيث كانوا يدينون له بالولاء ويعترفون له بالطاعة ويلتزمون بضماناته وكفالته وأمره ونهيه. النقشبندي ومن جهة أخرى أفرجت السلطات الروسية عن مذكرات الحاج عبد ا الله التي دونها العام ۱۹۱۱ وذكر فيها عن استقرار الفوج الأول من المهاجرين في الشيشان ومعهم إمامهم الشيخ جمال الدين الكيلاني، حيث تلقوا رسالة من بلاد القفقاس برغبة المئات في القدوم إلى بلاد الإسلام وهجر بلاد الكفر، فأمر الحاج عبد ا الله المريدين من أتباع الطريقة الكيلانية القادرية بالاستعداد للسفر إلى الجهة الشرقية من الزرقاء للبحث عن أرض صالحة للاستيطان، وكانت بغيته واحة الأزرق التي تقع في قلب الصحراء على بعد خمسة وتسعين كيلوا مترات، حيث الطريق إلى هناك محفوفة بالمخاوف والمخاطر لكثرة قطاع الطرق فيها ، غير أن جماعة المريدين من الشيشان، وكانوا ثمانية عشر ،فارسا أطاعوا أمر الزعيم الحاج عبد الله وساروا في رحلة استكشافية للبحث عن هذه الواحة الموعودة، فكانوا يسيرون ليلاً ونهاراً دون توقف ومع ذلك لم يصلوا إلى مبتغاهم، فعادوا أدراجهم، إلا أن الحاج عبد الله كان واثقاً من وجود هذه الواحة، فأمر بتجهيز فرقة استكشاف جديدة تكون بقيادته هو شخصياً، وقد اصطحب معه أحد علماء الحركة المريدية وهو جمال الدين الكيلاني ومحمد الأجري الحاج محمد جعفر إلى جانب خمسة رجال من شيشان منطقة صويلح وهم الحاج عادل وارسبي وبيتا خان وايكوم إخوان وحاج أحمد اوجرق.
وقد بلغ عدد أفراد فرقة الاستكشاف سبعة عشر رجلا غادروا الزرقاء في يوم الخميس، الخامس من جمادى الأول العام ١٣٣٠هـ - ۱۹۱۱ م ، بعد أن مضى من النهار ساعتان وعشرون دقيقة، ووصلت عند الغروب إلى مكان كثير الأشجار يقال له ( شجر المحيلان) على بعد تسع ساعات من الزرقاء، وبعد استراحة قصيرة تابعت الفرقة مسيرها ليلا حتى مضى من الليل خمس ساعات، وعند بزوغ الفجر، وجدت الجماعة نفسها في أرض خالية، ولم يعرفوا إلى أي اتجاه يسيرون، غير أن زعيم الجماعة أمرهم بالتوجه شرقا، حيث ظهر لهم جبل متوسط الحجم، وهناك صعد أحد أفراد الفرقة وهو الحاج مرزا بن سلمرزا قمة الجبل فشاهد مياه الأزرق وخضارها ، فنزلت الفرقة إلى تلك الأراضي وتفرق أفرادها يستطلعونها ، وبعد أن تجمعوا ذهبوا إلى قلعة الأزرق في وقت الضحى فوجدوا هناك الشيخ حديثة الخريشة حيث أكرم وفادتهم ورحب بهم. وفي الصباح رافق الشيخ حديثة الخريشة الفرقة الاستطلاعية للبحث والتفتيش عن الأراضي الجيدة الوفيرة المياه. ثم انتقلت الفرقة لمشاهدة القصر الموجود في الأزرق، ومتانة بنائه وضخامة حجارته.
وشاهد في وسطه المسجد الكبير ، وكان للقصر بابان من الحجر طول كل باب متر وخمسة وسبعون سنتمترا وعرضه متر وخمسة وعشرون سنتمترا، وكتب على حجر كبير فوق الباب (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا القصر المبارك الفقير إلى الله عز الدين أبي بكر أستاذ الملك المعظم علي بن الحاجب على زمن جده في سنة أربعمائة هجري).
وسبب البحث عن أرض جديدة في منطقة الأزرق هو رغبة الكثير من العائلات الشيشانية في قفقاسيا بالهجرة إلى الأراضي المقدسة، وقد أفصح الشيخ عبد الله زعيم الفرقة الاستكشافية عن رغبته في توطين عائلات شيشانية في منطقة الأزرق وذلك في بيت حديثة الخريشة الذي رحب بهذه الفكرة وقال (يا حاج أنا كفيل من عشيرتي وعشيرة السرحان، ونساعدكم هنا على قدر الإمكان، لأن عرب البادية يرغبون في إنشاء بلد في الأزرق، ويرحبون بوجود القمح والمطحن حتى لا يذهبوا إلى حوران أو إلى عمان، وأظن أن بعض العربان يكرهون إنشاء قرية هنا، وكذلك يا حاج، فإن الشيخ نوري الشعلان وقبائل الرولة تحترم كفالتي وحمايتي ولا يسألون عن شيء إذا كفلتكم وأنا سأتواسط واتفق معه.
وبعد أن قضى الوفد الشيشاني ليلته عند الشيخ حديثة الخريشة سمح لهم بالسفر صباحاً وقدم لهم دليلاً للطريق، ووصل الوفد إلى الزرقاء في اليوم السابع من جمادى الأولى سنة ١٣٣٠هـ - ١٩١١م. وفيما يلي أسماء القبائل الشيشانية التي سكنت الأزرق: قبيلة غادروي (الأوخ) ومنهم آل آرزمل قبيلة تشوينكروي (الأوخ) ومنهم أسرة آل أبو بكر، عشيرة أيدي ومنها أسرة يعقوب عشيرة تشوبلوي ومنها أسرة عيلام جي، وقبيلة علي روي ومنها آل شوقي.