تمضي اثنتان وسبعون سنة على حادثة اغتيال الشهيد الملك المؤسس عبدالله الاول ، ورغم ان الفترة هذه طويلة الى حد ما ، وتقتضي الكشف عن كل الوثائق والاسرار والخفايا المتعلقة بها ، الا ان التكتكم الشديد وعدم الخوض بالتفاصيل هو سيد الموقف للآن .
والسؤال : لماذا ؟
هذا التكتكم يكفي ليعطينا حقيقة دامغة عن أطراف المؤامرة المتعددة . فليست القضية هو التغرير بخياط من اهل القدس "شكري عشو " ودفعه لقتل الملك عند اول عتبة في المسجد الاقصى ، ولكن السيناريو الذي تم اعداده هو شائك وطويل وتعدد ابطاله واستغرق زمنا في رسمه ، ولم يعد سريا وتسرب الى دوائر الاستخبارات ، بدليل ان يوم 19 تموز 1951 وقبل الاغتيال بيوم واحد وأثناء تخريج الملك عبدالله لأول فوج طيارين اردنيين أخبره السفير البريطاني بمخطط الاغتيال في القدس ، ولكن الملك الشهيد قال " إللي مكتوب على الجبين بتشوفه العين " .
حدث الاغتيال رغم الحراسة المشددة ، ولكن اسلوب التنفيذ لم يكن متوقعا بأن يكون من داخل المسجد الأقصى ومن خلف الباب الرئيسي الخشبي الكبير الذي تصطف خلفه اربعة صفوف من المصلين ليكون القاتل على رأس الصف عند نهاية الباب ليواجه الملك الشهيد ويطلق الرصاص من مسافة صفر .
كتب ناصر الدين النشاشيبي الشاهد على عملية الاغتيال كتابا بعنوان " من قتل الملك عبدالله ؟ " ولا زلنا نسأل من قتل الملك عبدالله ؟ القاتل خياطا وأكيد أن سبب الاغتيال ليس خلافا مع الخياط على سعر تفصيل ثوب وجلباب ، والخياط لا سوابق له والغريب لا نعرف للآن كيف تم تجنيده باستثناء التغرير والاغراء بالمال وايهامه بضمانته سليما بعد الاغتيال .
وكان التحقيق برئاسة القاضي المرحوم عبدالله صلاح وعضوية حابس المجالي وعلي الحياري . عبدالله صلاح الذي اورد الحقائق والتفاصيل في كتاب مذكراته والذي اهداني منه نسخة خلال لقاء خاص معه في منزله قبل وفاته . منع الكتاب من دخول الاردن وكان قد طبع في بيروت ، وبعد سنوات تم السماح له .
وبعد التقصي في الوثائق خاصة البريطانية وفي كلية سانت انتوني التي تضم ارشيفا كبيرا عن منطقتنا ، تم التوصل الى وجود ملف في دار الوثائق البريطانية يحمل الرقم "75375" هو عن اغتيال الملك الشهيد . هرعت الى المكان ، ولكن هناك قانون لا تنفع معه اساليب الواسطة والرجاء ، القانون نص على تمديد السماح بالاطلاع على الملف لخمسين سنة اضافية ، وكان هذا قبل ستة سنوات بمعنى ان الإفراج عن الملف سيكون في عام 2067 تقريبا ، وهنا التساؤل الاخر : لماذا؟ هل لأن هذا قد يخلط الكثير من الاوراق لوجود شخصيات لا زالت موجودة او أن أبناءهم في واجهة الحدث ؟
أخبرني معالي سعيد التل بأنه اطلع على الملف بعد قرار قضائي ، ولكن لم يجد شيئا مهما ، وهنا أيضا ندرك ان بريطانيا قد أخفت الوثائق الخطيرة ، وربما سيحصل نفس الامر معي لو لجأت الى القضاء .
هل سيُحدث الكشف عن الوثائق أزمات في العلاقات الدولية بين أكثر من طرف ؟
وهل سيكشف الأمر أمورا أخرى وقعت بنفس الشاكلة ؟
ثم لماذا بريطانيا هي التي تتكتم وتخفي الملف ، هل لأن كل أصابع الاتهام تتجه اليها ؟
هل لأن كل المحاولات بعد الاغتيال اتجهت لاتهام عبدالله التل بالتخطيط للاغتيال رغم أنه بعيد كل البعد عن هذا الاتهام ، مستغلين الخلاف بينه وبين الملك الشهيد وأقامته في مصر وزيادة في ذلك ان العلاقة مع الملك فاروق لم تكن طيبة ؟
أسئلة عديدة ، وقصص كانت تجري قبل التنفيذ من اجتماعات بين مسؤلين انجليز وواحد او اثنين من منفذي المؤامرة الذين القي القبض عليهم وأعدموا ، وأحد أبطال المؤامرة الزوجة الحسناء الألمانية لأحد ابطال العملية والتي بقيت على تواصل مع الانجليز حتى بعد إعدام زوجها وشوهدت حتى في مطعم في عمان مع احد أركان السفارة البريطانية .
أيها الملف 75375 نعرف ما تحتويه ، ونعرف من هو المخطط الرئيسي لعملية الاغتيال ،
وندرك أن السبب الرئيسي للاغتيال هو الفكر الوحدوي للملك عبدالله الذي أنجز وحدة الضفتين وفي طريقه لإنجاز الوحدة مع العراق ليتكون محور القدس عمان بغداد وهذا جعل بريطانيا تدرك انها ستكون الخاسرة وقد تخسر أحد مناطق نفوذها ، وليست الصهيونية ببعيدة عن الأمر لأن محورا قويا سيكون خطيرا في المنطقة .
تعددت الأفلام واليوتيوب والمقالات والأبحاث والمقابلات حول الإغتيال ، وبعضها يربط أمورا أخرى اتهامية لشخصية الملك عبدالله ، وبعضها يكون موضوعيا ، ولكن نحن كأردنيين خاصة على المستوى الرسمي ماذا قدمنا ؟ وماذا فعلنا ، وماذا سنفعل ؟؟؟؟