شكّلت الأديانُ عبر العصور أدواتٍ استغلَّت سياسياً لتحقيق الكثيرَ من المآرب والمآلات، وذلك لمَا للدين من تأثير كبير في نفوس وقلوب الناس. فالناسُ بطبيعتها متدينة، والوازع الديني دائماً يَشدّها ويؤّثر فيها، ولكن هذا التأثير يجب أن يكون دائماً إيجابيا لإعلاء قيم الخير والصلاح والمحبة بما يصّب في مصلحة الفرد والجماعة والمصلحة العامة في إحلال السلام والوئام، وليس مطلقاً من أجل تحقيق مطامع سياسية أو خلق فتن وحروب طائفية ودينية لتحقيق أهدافٍ مرسومةٍ خفيةٍ يُراد تحقيقها، وعادة ما تكونُ أسهلُ الطرقِ لتحقيق ذلك بتسخير المفاهيم الدينية أو إثارة المشاعر الدينية كالتحريض والتجييش وغيره.
يحزننا ما نراه هذه الأيام من إساءات للمشاعر الدينية بتدنيس الكتب المقدسة وحرقها وتدنيس للأماكن المقدسة، وخصوصاً ما يحصل في السويد والدنمارك، مما يثير مشاعر ليس فقط ملياري مسلم في العالم، لا وبل قوى الإعتدال الوسطية وصنّاع السلام في العالم. فتدنيس الكتب المقدسة وحرقها لا يندرج تحت بند حرية التعبير بتاتاً، بل خرقا للقيم الإنسانية المشتركة، وتجسيداً لثقافة الكراهية والعنصرية، ومظهراً من مظاهر الخوف من الآخر كالإسلاموفوبيا.
في المشرق العربي هناك وعيٌ تامٌ أنَّ مثلَ هذه الأعمال المُدانة والمُستهجنة والمنبُوذة لنْ تُذكي نار الفتنة الدينية في بلادنا، لأنَّ هذهِ الأعمال لا تُمثِّلُ الفكرَ الإسلامي المستقيم ولا الفكر المسيحي المستقيم، فبلادُنا زاخرةٌ بتاريخٍ حافل من الوئام الديني والعيش المشترك إنطلاقا وثيقة المدينة والعهدة المحمَّدية مع أسقف آيلة، حنا ابن رؤبة، والعهدة العمرية مع بطريرك القدس صفرونيوس، وصولاً إلى الوصاية التاريخية والرعاية الهاشمية التي تجسّد جوهر التعاليم الدينية السمحة في الوئام الديني وقبول الآخر والعيش معاً يداً بيد في مواجهة كل قوى التطرف والتعصب والإرهاب.
وبصوت واحد معاً كمسلمين ومسيحيين نَدين مثلُ هذهِ الأعمالِ الخبيثةِ ومن يقفُ وراءَها، وسنزدادُ صلابةً وقوةً في البحث عن القيم الإنسانية المشتركة، وترسيخ مفهوم التعددية الدينية ومبدأ الحرية الدينية القائم على إحترام الآخرين وكتبهم وعقائدهم ومقدساتهم وطقوسهم، والعمل سوية بروح الأخوّة والوطنية والإنسانية بما يُعلّي من قيم الأخوّة والوحدةِ والتعاون في مواجهة ما يعترض حياتنا من مشاكل وتحديات تعصف بنا وتهدد حياتنا ووجودنا معاً.
الأديان هدفها سامٍ فاتركوها وشأنها، مهما اختلفت وتعددت. احترموا قدسيتها في نفوس معتنقيها ولا تستغلوها لأنَّ نارَ العبث بها غير محمودة لمُشعِليها.