جلحد الحباشنة، هو من أشهر شخصيات زمن مواجهة حملات ابراهيم باشا على الكرك في النصف الأول من القرن 19، ولمع اسمه في إحدى الحكايات الشهيرة، ونضعها هنا كما رواها عودة القسوس (1877- 1943) في مذكراته، وهو يؤكد أنه في صباه أدرك بطل القصة جلحد، وكان مع باقي الأولاد يكررون رغبتهم بسماع القصة من صاحبها الذي كان يرويها لهم بلا تردد:
"بذات يوم أرسل (ابراهيم باشا) سرية من الخيالة إلى جهة الجنوب (جنوب الكرك) ولما كان الجو ماطراً والغمام يكسو الفضاء ضلوا الطريق فالتقوا بشخص من عشيرة الحباشنة يدعى "جلحد”، فقبضوا عليه وأمروه أن يدلهم على الطريق إلى منازل الأهالي الفارين، فمشى بهم عن طريق القنيّة غربي قرية الخنزيرة (الطيبة حالياً)، ولما كانت الطريق وعرة ضيقة المسالك تلتف مع الجبال الرملية، فنزل بها الجنود بخيولهم الواحد أثر الآخر حتى تكامل عددهم في الوعر.
هرب الدليل من أمامهم والتجأ إلى الجبال الأخرى، وبدأ يصرخ ويستنجد ويطلق الرصاص على الجنود، وحضر لنجدته بعض الفارين، فوقع الرعب بقلوب الجنود، وحيث لم يكن بإمكانهم الرجوع، وكانت الطريق تنهال بخيولهم حتى تدهوروا جميعاً إلى أسفل الوادي، وقُضي عليهم جميعاً، وحضر الأهالي واغتنموا خيولهم وأسلحتهم ونقودهم وملبوساتهم حتى أصبح هناك من الأقوال المأثورة: "من لحق القنيّة تْخيّل بلا مِنّيّة"، وقد بقي الناس ينبشون ذلك الموقع ويجدون فيه من آثار الجنود التي طمرها الرمل حتى زمن قريب.
إن هذا الدليل الشهم المدعو جلحد، عاش طويلاً حتى أنني بنفسي شاهدته حياً، وكنت مع بعض الصبية، عندما نمر بالساحة المسماة مقعد الحباشنة، نجده ملفوفاً بعباءته ومضطجعاً هناك، فننبهه ونطلب منه ان يقص علينا تلك الحادثة فيقصها علينا بدون تردد”. انتهى الاقتباس من مذكرات عودة القسوس.
وقد أكد محققا المذكرات، صحة الحادثة، وما زال أهل الكرك حتى زماننا الحاضر يضربون المثل: "دلّة جلحد”، إشارة إلى من يسيئ إرشاد الآخرين للإيقاع بهم.
المصدر: مذكرات عودة سليمان القسوس الهلسا. تحقيق وشرح: د. نايف جورج القسوس الهلسا وغسان سلامه الشوارب الهلسا (2006).