ليس أجمل من الورود في الحياة، فثمنُ الورد رمزيٌ وعاجزٌ على التعبير عن القيمة الكبيرة التي تتجلى في قيمة الورد المعنوية والجمالية. ويبقى الورد من أجمل الهدايا التي تُعبّر عن حقيقة المشاعر النبيلة والمشاعر الصادقة تجاه الآخرين وفي مناسباتٍ مختلفة.
وحتى الورد، فلا ينمو من غير رعاية وعناية وتشذيب ورّي، ولكن عندما يتفتَّح الوردُ فإنه ينشرُ عبقَهُ وجمالَه وبهاءَه في كلِّ إتجاه. وأولادنا هم ورود هذه الحياة، وحتى تزهر هذه ورود الحياةِ هذه علينا أن نُعطيها حقّها في الرعاية والتربية والتعليم والروحانية والترفيه والثقافة والمعرفة والفن والموسيقى والسفر وغيرها من الإنفتاح على عالم متعدد الثقافات والأفكار والحضارات والأديان، مما يساعدهم على إكتساب مهارات الحياة المختلفة، والقدرة على التأقلُم مع بيئات مختلفة في مراحل حياتهم المختلفة، لا وبل يمتلكون القدرة على التعامل بإنسانية مع الناس كافة بتعدد ألوانهم وأعراقهم وإثنياتهم ولغاتهم وثقافتهم وعلمهم ومستواهم الإجتماعي.
لذلك، علينا أنْ نتفكَّرَ جيداً في نوعية الورود التي نتطلع أن تُزهر بأجمل حُلَلِها، فلم يعد في عالمنا مكان للكمية على حساب النوعية، فأولادنا، ورود الحياة، لا يقاسون بأعدادهم أفواجاً أفواجا، فالحال قد تَغيّر وتبدّل، وقديماً كانت ضرورة الحياة تتطلّب إنجابَ العديدِ من الأطفالِ ليعمَلوا في الحقولِ والبساتين ويعينوا والديهم في تأمين متطلبات الحياة الأساسية. ولكنَّ الحالَ اليوم تبدَّل وتغيّر، وأصبحَت ضروراتُ الحياة ومقتضياتها تتطلب التفكير والتخطيط والتنظيم بعيداً عن العشوائية العمياء، فطبيعة الحياة إختلفت ما بين الأمس واليوم، ويبقى أفضل سلاح نقدمه لأولادنا وأكبر تَرِكَةٍ نُورِّثُها لهم هو توفير كلِّ ما يحتاجون أن يتعلموه ويكتسبوه من مهاراتٍ وإمكاناتٍ ومواهبٍ وقدراتٍ ومعارفٍ وعلومٍ تُؤهّلهم للدخول إلى عالم التطور السريع في كافة مناحي الحياة واللحاق بركب المدنية وعالم الرقمية والذكاء الإصطناعي والتقدم العلمي والتكنلوجي.
وهذا يتطلب أن نراجع أولوياتنا في الحياة، فتصبحَ النوعيةَ على حساب الكمية، فاليوم، ليس بالعدد وحده يحيا الإنسان وتَتَطَّورُ الشعوب بل بالنوعية التي تمتاز بها، والتي تحرص على الإهتمام بها ، لتكون قادرة أنْ تقدِّمَ كل ما هو نوعي يسهم في صنع الفرق وعمل المعجزات. وكما قال أبو بكر الصدّيق:
«وَكَم رَجُلٍ يُعَدُّ بَألفِ رَجُل ..... وَكَم أَلفٍ يَمُرُّ بِلا عِدَادِ». فالأعداد لم تعد تُفيد ولا تسمن إذا كانت مجرد عدد بدون مضمون وبدون قيمة حقيقية. فعالم اليوم يتطلع إلى النوعية الواعية وفي كل قطاعات الحياة، والإبداع يشمل كلَّ نواحي الحياة ويتجلّى في كلِّ المِهَن، شريطةَ أن يرافق ذلك الثقافة الواسعة وسعةَ الإطلاع والمعرفة والإتقان.
لربما نحتاج إلى نتفكر بأولادنا- وُردودُ الحياة - الذين يجب أنْ نحرصَ على القيام بواجبنا تجاههم، لكي ما يزهرون وينشرون عبقَ رائحتَهم الطيبة في جميع الإتجاهات مع هبوب أيَّة نسمةِ هَواء.