يصادف يوم غد الجمعة الثامن من ايلول " اليوم الدولي لمحو الأمية " ، والذي تمّ الإعلان عنه في الدّورة الرابعة عشر للمؤتمر العام لليونسكو في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول عام ١٩٦٦م باعتباره يوماً عالميّاً، بهدف تذكير المجتمع الدوليّ بأهميّة محو الأمّية على مستوى الأفراد والمجتمعات ، مع ضرورة تكثيف الجهود ، لزيادة قدرة الأفراد على القراءة والكتابة ، ما يعكس التزام المجتمع الدولي بضرورة التمكين من اكتساب المعرفة والمهارات الأساسية التي تمكنهم من المشاركة الفعالة في حياتهم اليومية وفي المجتمعات التي يعيشون فيها ، كما ويُعد فرصة للحكومات ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب العلاقة لإبراز التحسينات التي طرأت على معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة ، حيث ان قضية محو الأمية هي عنصر جوهري في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة .
ان هذه المناسبة تشكل محطة لإبراز مدى انخراطنا مع الحراك العالمي الاجتثاث آفة لا تزال تثقل كاهل العديد من الدول ، وتعيق مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، حيث تأتي لتكون فرصة للتذكير بأهمية توحيد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية والدعوة الى بذل المزيد من العمل الدؤوب وابتكار اساليب غير تقليدية قادرة على المواجهة الشاملة للأمية ، فبالرغم الى ما وصلت اليه كافة المعالجات لدرء هذه المشكلة الا انها مازالت تمثل أحد أهم التحديات ، حيث لا يمثل التحدي العمل على محو "الأمية الأبجدية" والإلمام بمبادئ "القراءة والكتابة" فقط ، ولكن يتضمن هذا التحدي العمل على محو الأمية "الرقمية والثقافية" بالبعد الحضاري ، وصولا إلى مجتمع المعرفة ، ليكون المواطن مدركا لحقوقه وواجباته ولما يدور من حوله في هذا العالم الواسع الرحب ، وليسهم بفاعلية في كل اوجه النشاط الحياتي مسلحا بالعلم والمعرفة .
اننا في الاردن ومن خلال وزارة التربية والتعليم ، درجنا على الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية ، ايمانا منا بالدور الذي يلعبه التعليم في التنمية والتطور والنهوض بالقدرات البشرية ، ولقناعتنا بان ذلك فرصة لقراءة الماضي وتطوير الرؤي والأفكار المستقبلية ، ومقابلة تحديات العالم الرقمي المتطور ، واعترافاً منا بأهمية التعليم وما يواجهه من عقبات أمام تحقيق برامج التنمية المستدامة ، حيث أدركنا ومنذ عقود خلت ، خطورة مشكلة الأمية ، فعملت وزارة التربية والتعليم على مواكبة المستجدات في مجال الأمية واستراتيجيات مواجهتها ، من أهداف وخطط ووسائل وبرامج ومشاريع ، وترجمة لهذه الأهداف والخطط التي رسمتها ، الى جانب تحفيز البرامج الناجحة في مجال محو الامية ، لمعالجة هذا الملف الإنساني والمجتمعي وصولا إلى هذا الهدف الوطني النبيل .
ان وزارة التربية والتعليم وتكثيفاً للجهود الرامية لشمول كافة فئات المجتمع بالخدمات التعليمية التزمت بتوصيات العقد العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار( ٢٠١٥- ٢٠٢٤ ) بجميع صورها (الأبجديّة، والرقميّة، والثقافيّة) والذي عُدّ عقدًا للقضاء على الأمّيّة في جميع أنحاء الوطن العربيّ في الفئة العمرية ( خمسة عشر حتى أربعة وأربعين سنة )في العام (٢٠٢٤)، ضمن إطار مرجعيّ تعتمده ، فضمن هذا التوجه وضعت الاستراتيجية الهادفة إلى تحقيق ما ورد من خلال الخطط الإجرائية بعيدة المدى التي نفذتها وتنفذها وزارة التربية والتعليم ، ذلك بفتح مراكز لتعليم الكبار ومحو الأمية في مختلف أرجاء المملكة ، لتوفير الفرص التعليمية للمواطنين الذين حالت ظروفهم دون مواصلة تعلمهم وهم في سن التعليم المدرسي ، وأصبحوا يشكلون عائقا أمام برامج التنمية رغم رغبتهم بمواصلة التعلم ، حيث تقدم وزارة التربية والتعليم كل مستلزمات الدراسة للدارسين مجاناً ، وتأكيداً منها على أهمية تحقيق مبدأ التعليم للجميع .
ضمن هذا السياق ، وفي هذه المناسبة لا بد لنا من اسجاء تحية اعتزاز وتقدير لوزارة التربية والتعليم التي تبذل جهود كبيرة لخفض نسبة الامية ، فتكثيفاً للجهود الرامية لشمول كافة فئات المجتمع بالخدمات التعليمية توجه الدعوة باستمرار عبر قنواتها إلى كل من تخلف عن الالتحاق بالمدرسة بسبب ظروفه الاجتماعية أو الاقتصادية أن يلتحق بالبرامج المختلفة التي تقدمها الوزارة في مجال التعليم غير النظامي كل حسب البرنامج المناسب له ، فمن لم يسعفه الحظ بالالتحاق بالمدرسة ، يمكنه الالتحاق بمراكز تعليم الكبار ومحو الأمية ، أما الطلبة الذين تركوا المدرسة لأسباب متعددة خارجة عن إرادتهم ، يمكنهم الالتحاق بمراكز تعزيز الثقافة للمتسربين ، أو إكمال دراستهم عن طريق برنامج الدراسات المنزلية ، وكذلك برنامج الدراسات المسائية ، كما لا بد لنا من تثمين الجهود المتعلقة بالتصدي لظاهرة عمل الأطفال باعتبار هذه الظاهرة سبباً رئيساً لتسرب الأطفال من المدارس ، حيث تقوم الوزارة بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية للحد منها من خلال مواصلة برنامج التعليم الإستدراكي للفئة العمرية (٩ – ١٢) من الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس .
وختاما فإن محو الأمية منهاج متكامل ، ومشروع نهوض شامل ، يعتمد على التعاون والتفاعل بين مؤسسات المجتمع كافة ، للمشاركة في تحسين أداء برامج تعليم الكبار ، ومن هذا المنطلق وضعت وزارة التربية والتعليم ذلك كهدف في قمة خططها الاستراتيجية ، ولم تتوان ولو للحظة عن تقديم الدعم العلمي للدارسين ، وهنا لا بد من تثمين الدور الكبير الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في دعم برامج محو الأمية وتعليم الكبار، باعتبار التربية مسؤولية مجتمعية .
بقي ان أقول .. فلنمضي يداً بيد ، من أجل مجتمع اردني خالٍ من الأمية ، لنسير نحو أردن جديد ووطن عزيز منيع سلاحهُ الإيمان والعلم والعمل ، فبوركت كل الجهود التربوية الطيبة لكافة العاملين في ميدان محو الأمية.