"غزة"تنزف وحدها وتقاتل وحدها، ولا أحد يدفع معها ضرائب دمارها باستثناء أهل الضفة الفلسطينية، فيما تخاذل الجميع أمام مايحدث فيها. تعرف الحروب والمعارك هدناً واستراحات محاربين، لكنّ الهجوم الإسرائيلي الذي تعرض له قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي لا يندرج في هذه الخانة الحالة مختلفة تماماً، المواجهة ليست بين جيشَي دولتين، بل بين قوات احتلال مدجّجة ومعزّزة بدعم دولي رسمي هائل، وبين أهل غزة الذين توزّعوا فوق الأرض وتحتها، مقاومين مسلّحين، وحاضنة شعبية لا يرهبها قتل .
هي إذن معركة لا تحكمها قواعد اشتباك تقليدية، ولا تخضع لقوانين رسمتها معاهدات واتفاقات دولية يعيد تلاوة بنودها وتفاصيلها مسؤولون وناشطون يعتلون منصّات أنيقة، بعيدة عن ميدان القتل والتدمير، ولا يصيبهم منها غبار ركام أو دم مسفوك.
وقد اظهرت المقاومة، حسبما أوردت وسائل إعلام وتصريحات مسؤولين، قدرات عالية في إدارة مفاوضات الهدنة، وأكّدت أنّها تستطيع التعامل بالمثل كما تبيّن من خلال تراجع إسرائيل أكثر من مرّة عن الإصرار على رفع أعداد الذين سيشملهم الإفراج في مقابل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب المقاومة بإطلاق سراحهم، إضافة إلى كيفية تنفيذ عملية الإفراج على الجانبين. ولم تغفل المقاومة في الوقت ذاته عن تصعيد هجماتها ضدّ القوات الإسرائيلية التي توغّلت داخل غزة. في الخلاصة، انتصرت غزة وانتصرت المقاومة بأن فرضت تبادلاً للأسرى، ووقفاً لإطلاق النار لأربعة أيام كانت تعتبره إسرائيل مستحيلاً، وأجبرت الكيان الاسرائيلي على الإفراج عن أضعاف ما ستفرج عنه الحركة من رهائن إسرائيليين. وهذا أوّل الطريق.
إذن يبقى الانتصار لهؤلاء الأسرى والأسيرات فرض عين على كل مؤمن بالله تعالى وبتعاليمه وبقضية فلسطين وبضرورة إزالة هذا الاحتلال الغاشم الذي ينتهك الأرض والمقدسات وحياة البشر كل يوم.