هل من الضروري أن تكون مشهورا حتى تكون مهمّا ؟ هذا السؤال دار في ذهني عندما قرأت مذكّرات عدنان عبيدات، التي فاجأتني تماما. وسأشرح أسباب ذلك :
عدنان - رحمه الله - مواطن عادي من بلدة كفرسوم الواقعة في لواء بني كنانة شمال الأردن، سياسي مناضل، بعثي، أستاذ، موظف في الاتحاد التعاوني، كان في الخليل حين حدثت حرب حزيران، بقي هناك ورفض العودة؛ مبررا ذلك بقيم عروبية أولا، وبقيم مهنية ثانيا، وهذا ما يهمني :
مواطن بسيط بقي في الخليل؛ لكي يكمل مشروعاته التعاونية التي بدأها!! تبادل الحب والثقة مع أهل الخليل، وأثار حفيظة الاحتلال الذي حاول التخلص منه مرارا بعزله، وإبعاده إلى عمان .
في مذكراته عشرات المشاريع التي نبّه إليها، وحفز المواطنين إلى دعمها: مدارس، وتعاونيات، ومشروعات، ورياض أطفال!! هذه أعمال وإنجازات قد تبدو بسيطة؛ قياسا إلى إنجازات السياسيين وبطولاتهم الوهمية! ولكنها إنجازات عميقة جدّا زرعت ثقافة الحب، والتضامن، والثقة، والأمل في نفوس أهل الخليل أولا، وفي نفوس أهل الضفة الغربية ثانيا !
لا يمكن فهم الإنجازات العديدة والتغيرات المجتمعية التي أنجزها في فترة حياته إلا أنه كان يستثمر الوقت بشكل إيجابي يشعرك أنه بمفرده يشكّل عشرات العاملين ! لا تكاد في مذكراته تسمع إلا علاقاته، وتواصله مع عائلات الخليل: النتشة، والجعبري، وقطينة، ويغمور، والتميمي، والقواسمي، وغيرهم .
في مذكراته دروس تربوية عديدة، ودروس تنموية، وإدارية مهمة، أضع منها :
- لم يخذله المجتمع الخليلي والفلسطيني بأي طلب. كانت مشروعاته مموّلة اجتماعيا لوجود ثقة بين المجتمع والمسؤول، وغالبا ما يتم التمويل بسرعة تفوق سرعة إنجاز المشروعات. فالثقة بين المسؤول والناس كافية بحل أكثر المشكلات تعقيدا .
- وثقت به المنظمات التعاونية العالمية، بل هي من ساعدته على الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي فصله من عمله عدة مرات؛ خوفا من زيادة تأثيره في المجتمع .
- رجل بسيط لم يسع إلى منصب لا في الضفة الغربية، ولا في الأردن، وهناك في الأردن من عرض عليه منصبا رفيعا في المنظمة التعاونية الأردنية ، ولكنه فضّل البقاء مناضلا في الخليل.
- قدره أهل الخليل، وكتبوا عنه، مما يجيب عن سؤالي في مطلع مقالتي: ليس بالضرورة أن تكون مشهورا حتى تكون عظيما ومهمّا ! فالأهمية هي في التأثير، وليس في زيف الشهرة !
تحية إلى رجل عادي لكنه الأكثر تأثيرا !
وهكذا أحبّ عدنان عنب الخليل، ولم يترك رمّان كفرسوم!
رحمه الله، فقد جسّد في حياته ومماته حب فلسطين، والأردن، والعروبة.
و يبدو أن قلبه لم يتحمل جرائم إسرائيل وداعميها ، فآثر الرحيل!!