الرئيس عبدالفتاح السيسي يولي اهتماماً كبيراً بالعلاقات العربية وتعزيز العمل العربي المشترك ويبذل جهوداً خلاقة ومتواصلة من أجل الحفاظ على الأمن القومي العربي الذي يعد شديد الارتباط بالأمن القومي المصري.. كذلك مساعي مستمرة لحل الأزمات العربية في الدول التي تعرضت لتداعيات أحداث الربيع العربي بالإضافة إلى رؤية مصر لتحقيق الوحدة والتلاحم والتكامل العربي.
العمل العربي المشترك وتعزيز الشراكات العربية سعياً لتحقيق التكامل أولوية مصرية تسعى قولاً وفعلاً لتحقيقها.. ولعل زيارات ولقاءات واستقبالات واتصالات الرئيس السيسي بالقادة والزعماء العرب تكشف عن عمق العلاقات المصرية- العربية وما وصلت إليه من تعاون وشراكة في عهد الرئيس السيسي.
بالأمس شهدت القاهرة قمة مصرية- أردنية حيث استقبل الرئيس السيسي جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وعقد قمة ثنائية تأتي في توقيت بالغ الدقة.. في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات عنيفة وتهديد حقيقي لأمنها واستقرارها بطبيعة الحال ينعكس على الجميع خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.. وما يتعرض له القطاع من مأساة إنسانية حقيقية في ظل القصف الإسرائيلى المتواصل الذي راح ضحيته آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين واستمرار استهداف المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء وتشريدهم وانهيار المنظومة الصحية بالكامل ونقص غذائي حاد وحصار وتجويع ورفض وتعنت إسرائيلى لدخول ونفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية وتدمير البنية التحتية والسكنية والمنشآت في القطاع حتى بات مثل مدن الأشباح وهو ما يعكس الظروف الإنسانية القاسية التي يعيشها الأشقاء الفلسطينيون.
مصر والأردن منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة أدركا ان هناك شيئاً ما يجري يستهدف القاهرة وعمان وأعلنا بشكل قاطع وحاسم رفضهما لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين قسرياً داخل وخارج أراضيهم.. وأيضاً رفض حاسم لمحاولات اجبار الفلسطينيين ودفعهم للنزوح إلى الحدود المصرية والأردنية.. من أجل توطينهم على حساب الدولتين بما يهدد الأمن القومي للبلدين ويؤدى إلى تصفية القضية الفلسطينية وهو ما أحبطته مصر والأردن.
العلاقات المصرية- الأردنية في عهد الرئيس السيسي ذات خصوصية شديدة وتتميز بالتوافق في الرؤى والأهداف ووجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية وأيضا القضايا العربية.. وتؤكد على أهمية العمل العربي المشترك في ظل تحديات إقليمية ودولية كثيرة.. كما ان هناك إرادة سياسية تجمع البلدين لتعزيز التعاون الثنائي والشراكة إلى آفاق رحبة فى جميع المجالات.. وانعكست العلاقة الأخوية بين الرئيس السيسي وجلالة الملك عبدالله الثاني وما يجمعهما من تفاهم وتوافق على طبيعة وقوة العلاقات.. فمصر- السيسي تدعم دائماً اللقاءات والزيارات والاتصالات المتبادلة لا تنقطع وهو ما يعزز فرص تعزيز العلاقات ومجابهة التحديات المشتركة وحل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
مصر- والأردن ليست مجرد علاقات سياسية قوية بل شراكة شاملة في الكثير من المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية والتعليمية وفي مجال الطاقة سواء بشكل ثنائي أو ثلاثي مع العراق في ترسيخ مفهوم جديد وشامل للتعاون بين القاهرة وعمان وبغداد.. ليكون نموذجاً للعمل العربي المشترك.. أيضاً هناك اللجنة الدائمة المشتركة التي تبحث دائماً الارتقاء بالتعاون والشراكة بين مصر والأردن.
تطابق الرؤى والمواقف والأهداف بين القاهرة وعمان هو مفتاح وأساس العلاقات القوية بين البلدين الشقيقين.. وهو ما يعزز فرص حماية الأمن القومي في البلدين وتحقيق مصالح الدولتين وآمال وتطلعات الشعبين.. لذلك أعتبر علاقة القاهرة وعمان نموذجاً ساطعاً للتعاون العربي.. فدائماً مصر بجانب الأردن وعمان بجانب القاهرة.. ولعل ما يقوله دائماً جلالة الملك عبدالله الثاني في حق مصر ودورها هو تجسيد حقيقى لمكانة مصر لدى الأردن.. وكذلك ما تحظى به الأردن فى الأولويات المصرية ودعم الرئيس السيسي يعكس قوة ومتانة العلاقات بين البلدين.
زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني للقاهرة ليست الأولى منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة بل سبقها اتصال جلالة الملك عبدالله الثاني في الثامن من أكتوبر الماضي بالرئيس السيسي في اليوم التالي لاندلاع العدوان والتصعيد العسكري في قطاع غزة وحضور جلالة الملك عبدالله الثاني لقمة القاهرة والقمة المصرية- الأردنية بالقاهرة أمس يؤكد أن القاهرة وعمان هما الأكثر ارتباطاً واهتماماً بالقضية الفلسطينية ويهتمان بشكل مباشر بالقضية خاصة أنهما دولتان حدوديتان مع فلسطين.. لذلك هما طرفان أساسيان وأصيلان ويبذلان جهوداً متواصلة من أجل حل القضية الفلسطينية واستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفقاً للمرجعيات الدولية.
القمة المصرية- الأردنية التي عقدت بالأمس في القاهرة تأتي في توقيت بالغ الدقة سواء بسبب ما تعيشه غزة من كارثة ومأساة إنسانية بسبب الإجرام الإسرائيلي أو مخاوف من اتساع رقعة الصراع وتدخل أطراف أخرى وهو الأمر الذي ينذر بتهديد الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.. لذلك تسابق مصر الزمن من أجل الوصول إلى التهدئة ووقف شامل لإطلاق النار.. وهناك اتصالات وتنسيق مع الشركاء الدوليين وبطبيعة الحال تأتى الأردن كشريك أساسى لمصر.. ومن هنا أيضاً تسعى مصر لطرح رؤية أو مقترح أولى لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وبلورة موقف متكامل عقب حصول القاهرة على موافقة جميع الأطراف بما يعكس دور وثقل القاهرة.
مباحثات الرئيس السيسي بالأمس مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين تناولت علاقات التعاون الثنائي وأيضاً الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة في قطاع غزة وعبرا عن الارتياح لوتيرة التنسيق والتشاور بين البلدين والتى تجسد أهمية العلاقات بين الشعبين والقيادتين التى تشهد طفرة غير مسبوقة وآفاقاً جديدة لتعزيزها في كافة المجالات بما يتفق ويتسق مع العلاقات الخاصة والأخوية بين القاهرة وعمان.
القمة ناقشت التطورات الإقليمية وما يحدث في المنطقة خاصة المأساة الإنسانية في غزة وما وصلت إليه ظروف وأحوال سكانها من معاناة بسقوط آلاف القتلى والجرحى ومئات الآلاف من النازحين بالإضافة إلى التدمير الكبير الذي تعرضت له البنية التحتية والمنشآت في القطاع.. لذلك ركزت القمة المصرية- الأردنية على الآتي:
أولاً: رفض قاطع من مصر والأردن لجميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية أو لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم أو نزوحهم داخلياً.. وهو ما تسعى قوات الاحتلال لتنفيذه من خلال الحصار والعقاب الجماعي وحرب الإبادة وتدمير المستشفيات والمخابز ومنع دخول المساعدات الإنسانية أو التجاوب مع المساعي والمبادرات والقرارات الدولية والأممية وآخرها قرار مجلس الأمن في هذا الشأن.. واستمرار استهداف وقتل المدنيين والأطفال والنساء وبالتالي يشهد القطاع معاناة إنسانية في ظل القصف والعدوان المتواصل وانهيار الرعاية الصحية وخروج المستشفيات من الخدمة.. ونقص غذائي حاد لاجبار الفلسطينيين على النزوح خارج أراضيهم.. من أجل تحقيق المخطط بتوطين الفلسطينيين فى مصر والأردن وهو أمر تدركه جيداً الدولتان وتصدتا له منذ اللحظة الأولى بالرفض القاطع والحاسم بالإضافة إلى دعم الأشقاء الفلسطينيين.. بالعمل مع الشركاء الدوليين والمنظمة الأممية من أجل التهدئة ووقف إطلاق وادخال المساعدات لانقاذ الفلسطينيين من كل هذه الأوضاع المأساوية.. خاصة وان مصر لم تغلق لحظة معبر رفح منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى ولكن قوات الاحتلال قامت باستهداف المعبر من الجانب الفلسطيني.. لكن مصر في نفس الوقت ضغطت بشكل مكثف وتبنت مواقف شامخة وحاسمة.. وانه لا خروج للأجانب من المعبر قبل دخول المساعدات.
ثانياً: تجديد التأكيد على ان الحل الوحيد للأزمة.. والتصعيد هو ان يدفع المجتمع الدولي في اتجاه تنفيذ الوقف الفوري لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإغاثية بالكميات والأحجام والسرعة اللازمة التي تستطيع ان تخفف المعاناة الفلسطينية وتحدث فارقاً لانقاذ سكان قطاع غزة.. والغريب ان بعض الدول الداعمة والمؤيدة لإسرائيل وعدوانها الوحشي وغير الأخلاقي وغير الإنسانى على الفلسطينيين فى غزة ترفض وقف إطلاق النار.. فما شهده مجلس الأمن مراراً وتكراراً من معارضة قرار التهدئة ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية.. هي وقائع يندى لها جبين الإنسانية في ظل آلة القتل الإسرائيلى التى حصدت ما يزيد على 20 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين وخنق القطاع وحصاره وهو ما أحدث مأساة إنسانية حقيقية في ظل وجود الجثث في الشوارع والطرقات وتحللها وهو ما يهدد بأمراض وأوبئة بالإضافة إلى شح الغذاء والمياه والدواء ورغم ذلك لم يرق قلب هؤلاء المؤيدين لتل أبيب.. لذلك فإن الوقف الفوري لإطلاق النار يجب ان يكون التزاماً أخلاقياً وإنسانياً دولياً بعد أن وضعت مصداقية المنظومة الدولية على المحك وباتت غارقة في ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين.
ثالثاً: إعادة التأكيد أمام العالم الذي بات الكثير من دوله على قناعة كاملة بأنه لا حل للصراع «الفلسطيني- الإسرائيلى» إلا من خلال الدفع الجاد نحو مسار سياسي للتسوية العادلة والشاملة بما يفضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهذا الحل أكدت عليه مصر مراراً وتكراراً وأعلنت بشكل واضح أن الحل الوحيد لهذا الصراع هو «حل الدولتين» يعيشان فى سلام وأمان بدلاً من نشوب الصراعات الدامية والمتكررة وتهديد أمن واستقرار المنطقة والشرق الأوسط.. بل وتهديد السلام العالمي.. لذلك فإن الرؤى المصرية- الأردنية المتطابقة حول حل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع مع إسرائيل يكمن فى حل الدولتين وبات العالم يتحدث بقناعة عن أهمية تطبيق وتنفيذ هذا الحل.
رابعاً: أكد الزعيمان على المسؤولية السياسية والأخلاقية الكبيرة التي تقع على عاتق المجتمع الدولى نحو تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.. والحقيقة ان المجتمع الدولي بات في مأزق حقيقي.. واختبار حاسم أمام ما يحدث من جرائم وحرب إبادة ومعاناة إنسانية متفاقمة.. من قتل وتشريد وتجويع وحصار.. وبدا في المشهد ان المجتمع الدولى متواطئ فيما يحدث في غزة.
خامساً: الرئيس السيسي وجلالة الملك عبدالله الثاني جددا التأكيد على أهمية عدم توسع دائرة ورقعة الصراع وهو الأمر الذي سيكون سبباً في زعزعة الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً.. هذه التحذيرات المتكررة من الرئيس السيسي باتت على أرض الواقع في ظل تعدد الجبهات المشتبكة مع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.. وهناك تهديدات في البر والبحر والجو وهو ما ينذر أيضاً باتساع دائرة الصراع ونشوب حرب شاملة تهدد الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي وتضر بمصالح العالم على كافة الأصعدة وهو ما انتبه إليه المجتمع الدولي.
تطابق الرؤى ووجهات النظر وتواصل التشاور والتنسيق بين القاهرة وعمان ووجود إرادة تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية يفتح آفاق المستقبل أمام البلدين الشقيقين بفضل رؤية القيادتين السياسيتين فى البلدين لتحقيق آمال وتطلعات الشعبين.