يكون الحكم في البلدان النامية على نمطين اثنين: إما نظام فردي مستبد، أو نظام عسكري دكتاتوري، ودون ذلك الفوضى العارمة، والسبب في كل هذا وذاك التخلف.
عدونا الأول في المنطقة العربية التخلف، فنظرا للتخلف تعاني شعوب أمتنا من الفقر والجوع والمرض، ولتخلفنا ساد التعصب الضيق في أوساط مجتمعاتنا، وكنتيجة للتخلف انتشرت الأوبئة المهلكة، وبفعل التخلف توسعت الفجوة الطبقية في بلداننا (اجتماعية واقتصادية)، وكانعكاس للتخلف استفحل الفساد المالي والإداري، وبفعل تخلفنا سقطت بلداننا واحدا تلو الآخر، وعبر التخلف نفذ الاستعمار إلى أقطارنا بكل سهولة، ومن خلال التخلف شبت نار الفتن والحروب الأهلية بمختلف صورها ومسمياتها، ولاستمرار التخلف ما زالت فلسطين ترزح تحت وطاة الاحتلال الصهيوني، ونظرا للتخلف ظهرت الجماعات المتطرفة المسيئة للإسلام بفكرها ومشروعها، كما تمخض عن التخلف بأشكاله وصوره عودتنا للوراء قرون عدة، وبوجود التخلف فقدنا بوصلة الطريق إلى القمة، وعبر التخلف يجري تفكيك بلداننا وتجزئتها بكل أريحية.
للتخلف إرث ثقيل أرهق حياتنا، وأفشل مشروعنا القومي النهضوي، وأعاد مجتمعاتنا إلى ماقبل القرون الوسطى، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة، ما أسباب جهلنا وتخلفنا، وكم مطلوب من الزمن حتئ ننتصر على مشاكلنا؟..
ما من شك فالتخلف مصدر كل داء مس البشرية منذ العصور القديمة، وقد بذلت جهود مضنية للتغلب على أسباب التأخر والوهن التي أصابت الأمم، حيث لعب الفلاسفة والمفكرون أدوارا مهمة محاولين إنقاذ البشرية من حالة التفكك والانحطاطا، واضعين بأفكارهم وأطروحاتهم الخطوط العريضة للخروج من وضعية البؤس والتناحر إلى العصر الحديث بما يحويه من تقدم ورقي على أكثر من صعيد.
ساهمت أفكار الفلاسفة العظماء في حدوث استقرار سياسي نسبي بالبلدان المتبنية لأفكارهم، حيث اشتملت تلك الأطروحات على أفكار قيمة، صُيغ من خلالها عقد فريد ينظم طبيعة الحكم، وعملية انتقاله وتبادله وفق قواعد وقوانين موضوعية وعادلة، والعلاقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، في مجتمع تتحقق من خلاله العدالة الاجتماعية والتنمية.
وقد مهدت هذه الأسس في حدوث نهوض علمي كبير، انعكس بوضوح على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبشرية.