نشرت صحيفة "نيويورك تايمز” تحقيقاً بصرياً حلّلت فيه لقطات الفيديو التي يصوّرها "الإسرائيليون" في غزة وهم يدمّرون الممتلكات المدنية للمدنيين. إذ تقدم لقطات الفيديو صورة نادرة، وبدون أي قيود، عمّا يجري في القطاع من دمار ونوايا إبادية للجنود.
وفي التقرير الذي أعدّه فريق الصحيفة، وهم أريك تولر وسارة كير وآدم سيلا وأرييتا لايكا وشيفاز كلارك، قالوا إن شهادات الجنود على حساباتهم الشخصية تعطي صورة عن الطريقة التي ينظرون فيها للفلسطينيين وممتلكاتهم.
حيث قال جندي من جنود الاحتلال، في شريط فيديو مرفق بموسيقى عسكرية على تيك توك: "لقد توقّفتُ عن إحصاء الأحياء السكنية التي محوتُها”
فمنذ تشرين الأول/أكتوبر، وضع جنود الاحتلال الإسرائيلي أشرطة فيديو التقطوها في غزة على منصات التواصل الاجتماعي، وقدّموا فيها رؤية نادرة، وبدون رقابة، عن العمليات البرية. وشاهد بعضَ أشرطة الفيديو عددٌ قليل من الأشخاص، والبعض حظي بآلاف المشاهدات.
وقامت صحيفة "نيويورك تايمز” بمراجعة مئات اللقطات، ويظهر بعضها الحياة اليومية للجنود وهم يأكلون أو يرسلون الرسائل النصية لعائلاتهم وأصدقائهم. أما الأخرى فتصور الجنود وهم ينهبون المحلات التجارية، ويعيثون الفساد في المدارس وقاعات الدراسة، مع تعليقات مهينة للفلسطينيين، أو يقومون بجرف ما يبدو أنها مناطق مدنية، أو يدعون إلى بناء مستوطنات "إسرائيلية" في غزة، وهي الفكرة التي يدعو إليها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وتقول الصحيفة إن بعض المنشورات ولقطات الفيديو تخرق تعليمات جيش الاحتلال، الذي يحدّد استخدام منصات التواصل الاجتماعي بالأغراض الشخصية، ويحظر المشاركة بمحتوى "يؤثر على صورة الجيش الإسرائيلي ومفهومه في عين الرأي العام” أو أي سلوك "يضرّ بالكرامة الإنسانية”.
وشجب جيش الاحتلال ، في بيان، أشرطةَ الفيديو التي ظهرت في تقرير الصحيفة. وفي بيان جاء فيه: "سلوك القوات الذي يظهر من هذه اللقطات مشين، ولا يتطابق مع أوامر الجيش”، ويتم فحص "الظروف” التي التقطت فيها أشرطة الفيديو.
ومع ذلك، تستمرّ لقطات الفيديو، التي يقول الجيش إنها محل للفحص، في الظهور على منصات التواصل الاجتماعي، ما يذكر بالطرق التي تغيّر فيها منصات التواصل الحرب. ففي روسيا وأوكرانيا يشارك الجنود بلقطات من ساحة المعركة، ويقدّمون أحياناً رؤية شخصية عن الحرب من خلال كاميرا فيديو مثبتة بخوذة الجندي، وأظهرت أشرطة الفيديو لقطات عن التعذيب والقتل.
وتعرّض عددٌ كبير من لقطات الفيديو التي يضعها الجنود على منصات التواصل للنقد. وتم بث شريط فيديو، واستشهدت جنوب أفريقيا بخمس لقطات أخرى في دعواها المقدمة أمام "محكمة العدل الدولية”، كدليل على الإبادة التي تمارسها إسرائيل في غزة.
وتابعت الصحيفة في تقريرها 50 شريط فيديو، ونسبتها إلى وحدات المهندسين في "الجيش الإسرائيلي"، وتُظهر استخدام الجرافات والحفّارات لتدمير مدراس ومساكن للمدنيين وعمارات. وعبّرَ خبراءُ حقوق الإنسان عن قلقهم من حجم الدمار وطبيعته في المناطق الخاضعة لسيطرة" الجيش الإسرائيلي"، وقالوا إن تدمير ممتلكات المدنيين يحتاج لمبرر عسكري ضروري، وحسبما يقتضي القانون الدولي.
وتعلّق الصحيفة بأن أشرطة الفيديو تم التحقق منها ومن تواريخها ومواقعها التي صورت فيها، أو تحديد هوية الجنود الذين ظهروا فيها ووحداتهم في غزة، والوقت الذي حملت فيه اللقطات. ولم يردّ أيٌّ من الجنود على طلبات التعليق عندما تم الاتصال بهم.
تقدم لقطات الفيديو صورة نادرة، وبدون أي قيود، عمّا يجري في القطاع من دمار ونوايا إبادية للجنود
وبعد بداية الغزو البري، أقام" الجيش الإسرائيلي" قواعد عسكرية على طول الساحل الشمالي لغزة، وهو ما أطلق عليه الجنود "ساحل نوفا”، في إشارة لمهرجان نوفا الذي قتل فيه 364 شخصاً، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ويعتبر الساحل خلفية لمعظم لقطات الفيديو التي نظرت فيها الصحيفة.
وقبل الحرب كانت المنطقة مساكن للغزيين وممتلكات للسياحة ودفيئات وحقولاً زراعية.
وكان هناك بيت مدمر قرب قاعدة عسكرية على الساحل، هو المكان الذي صوّر فيه جندي فيديو، في تشرين الثاني/نوفمبر، ويعمل أيضا كـ "دي جي”.
وأرفقت لقطات الفيديو بمحاكاة ساخرة للأغنية الإسرائيلية المعروفة "كان هذا بيتي”، والتي ظهرت في مشهد كوميدي، وانتشرت على الإنترنت في الأشهر الأخيرة ومنصات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية وتتهكم على الفلسطينيين: "هذا هو بيتي بدون كهرباء ولا غاز”.
وتمضي الأغنية في وقت يجعل الجندي نفسه وكأنه في أنقاض بيت، قبل أن يتجه نحو النافذة وينظر إلى مشهد الدمار في الخارج. وقد دمر البيت في كانون الأول/ديسمبر، حسب صور الأقمار الاصطناعية.
ويقول باسل الصوراني، محامي حقوق الإنسان في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: "هذا مؤلم للقلب”، و”هذا يظهر أن الإسرائيليين يريدونك خارج بيتك وخارج قطاع غزة”.
أرسلت الصحيفة إحداثيات كل مبنى فُجّر لجيش الاحتلال وطلبت منه التعليق على الضرورة العسكرية لتجريفها، فرد الجيش أنه يخوض "حرباً معقدة” و”من الصعوبة متابعة حالات بعينها بإحداثيات معينة في هذا الوقت”
ووضع نفس الجندي شريطاً آخر، في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، مستخدماً "ميم” (تعبير شائع ساخر في مواقع التواصل) شعبياً آخر على موسيقى "شتايم، شالوش، شا-غير” أو "اثنان، ثلاثة، غداء”، حيث يرقص الجنود على أنغام الموسيقى أمام الكاميرا، وعندما تصل الأغنية إلى "غداء” تتحول الكاميرا إلى لقطة لتدمير بناية. وتم حذف اللقطة هذه، بعدما اتصلت الصحيفة مع تيك توك وسألت عن سبب بقائه. وقال متحدث باسم تيك توك إن الفيديو خرق سياسات المنصة، بما فيها الدعوة للكراهية والسلوك. ولم ترد ميتا، التي تملك فيسبوك وأنستغرام على طلب الصحيفة.
وراجعت "نيويورك تايمز” لقطات فيديو تابعة لفيلق الهندسة القتالي في" الجيش الإسرائيلي"، والذي يستخدم معدات ثقيلة، بما فيها الجرافات لفتح الطريق أمام الجيش، والكشف عن الأنفاق وتدميرها ومحو البنايات.
وكشفت الصحيفة، في تقرير سابق، عن أكثر من 33 عملية هدم قامت بها الوحدة لأحياء بأكملها في غزة وتفجيرها عن بعد. وفي فيديو صور بضواحي خان يونس، جنوبي غزة، بداية كانون الثاني/يناير، شوهد جنود وحدات الهندسة وهم يدخنون النرجيلة قبل أن تدمر المتفجرات عمارات سكنية، ثم رفعوا الأنخاب وشربوا على التدمير. وفي بعض لقطات الفيديو، سخر جنود الوحدات الهندسية وهم يدمرون البنى والممتلكات من الفلسطينيين.
وفي شريط فيديو شوهد بشكل واسع، كرّس الجنود تدمير العمارات لضحايا هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وعائلاتهم.
وفي شريط فيديو أهدى جنود بناية تم تجريفها للمغني إيال غولان الذي دعا إلى تدمير كامل لغزة. واستشهدت جنوب أفريقيا بالفيديو في دعواها، وما أسمته "خطاب الجنود الداعي للإبادة” أمام "محكمة العدل الدولية”.
ومع اقتراب الجرافة من إنجاز المهمة في البيت الذي لم يتبق منه سوى جدران، صرخَ الجنود: "إيال غولان، شقيقنا العزيز، نحبك، وهذا البيت لك”. وشارك جندي في وحدة المهندسين صورة، في 12 كانون الأول/ديسمبر، على تيك توك تظهر 3 جرافات ومساحات مدمرة قرب قاعدة إسرائيلية في شمال غزة. ووضع الجندي تعليقاً: "هذا بعد عمل شاق، كل المكان كان مغطى بالخضرة والبيوت حتى وصلنا إلى هنا”.
أرفقت لقطات الفيديو بمحاكاة ساخرة للأغنية الإسرائيلية المعروفة "كان هذا بيتي”، والتي ظهرت في مشهد كوميدي، وتتهكم على الفلسطينيين: "هذا هو بيتي بدون كهرباء ولا غاز”
وبعيداً بمسافة ميل في الجنوب، وعلى طول الساحل، حدث نفس الدمار الذي التقطته الأقمار الاصطناعية، في نهاية كانون الأول/ديسمبر، ويكشف عن تدمير حوالي 63 بناية، بما فيها بيوت تمّ تجريفها بمساحة ميل عن القاعدة. وفي ذلك الوقت كانت المنطقة تبعد 1.5 ميلاً عن الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل، وحسب الخرائط التي نشرها معهد دراسة الحرب. وتتناسق أنقاض البناايات الواضحة مع أساليب التنظيف التي ظهرت في فيديوهات وحدة المهندسين بمناطق أخرى من غزة وحلّلتها "نيويورك تايمز”.
واستخدم الجيش الجرافات لتجريف مساحات واسعة من غزة منذ بداية الحرب.
وأرسلت الصحيفة إحداثيات كل مبنى من المباني الـ 63 إلى الجيش الإسرائيلي وطلبت منه التعليق على الضرورة العسكرية لتجريفها، فرد الجيش ببيان أنه يخوض "حرباً معقدة” و”من الصعوبة متابعة حالات بعينها بإحداثيات معينة في هذا الوقت”.
وراجع أربعة خبراء في القانون المواد المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الاصطناعية قرب القاعدة، وقالوا إنه يمكن استخدام الصور على أدلة عن تدمير غير قانوني وخرق لميثاق جنيف.
وقال الدكتور جون بي كوينيغلي، أستاذ القانون بجامعة ولاية أوهايو، والمختص بحقوق الإنسان، في رسالة إلكترونية، إن "منظور الدمار بالمناطق السكنية في غزة يقترح أن الجيش الإسرائيلي يستخدم معياراً لحماية الممتلكات الخاصة، والذي لا يتوافق مع معايير القانون الدولي للحروب”.