أن جوهرة العالم النادرة الجمال لبنان الشقيق والأغلى على قلبي يعيش اليوم أزمة خانقة ومتشابكة الخيوط صعب فرز خيوطها، أقول هذا في وقت أصبح فيه لبنان في عين العاصفة والحراك الدبلوماسي والسياسي لا يضيف جديداً، حتى وإن كان يشهد حركة موفدين دوليين للعمل على فصل ساحة الجنوب عن حرب غزة ولا مكاسب سياسية لقاء أي ترتيبات أمنية، وهكذا يبرز لبنان كمحطة أساس في جولات الموفدين الدوليين إلى المنطقة، وقد شكلت بيروت وجهة لعدد من وزراء خارجية دول غربية وعربية كان آخرها وزير الخارجية الفرنسي والبريطاني، بالتزامن مع زيارة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، وفي موازاة الإتصالات الدبلوماسية المكثفة للتوصل إلى إتفاق الهدنة في غزة، على أمل أن ينسحب الأتفاق على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، هذا ويحمل معظم الزوار الدوليين رسالة واحدة تدعو لبنان إلى تنفيذ القرار رقم 1701 وتهدئة الجبهة الجنوبية تمهيداً للبحث في مرحلة لاحقة الترتيبات الأمنية وبدء المفاوضات غير المباشرة لمعالجة أزمة النقاط البرية، ويأتي الحديث عرضاً عن ملف رئاسة الجمهورية وأنتخاب رئيس بأسرع وقت كمعبر ضروري ودستوري لإنجاز أي اتفاق بري مستقبلي بين لبنان وإسرائيل، هذا ما لفت إليه وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورني خلال زيارته القصيرة إلى لبنان، إذ أبلغ رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب : أن إنتخاب رئيس جديد هو مسألة أساس لمواكبة الأستحقاقات الكبيرة ألتى يشهدها لبنان والمنطقة، علماً أن زيارة سيجورني لم تكن مرتبطة بالملف الرئاسي اللبناني بل بالإستقرار الأمني جنوباً، ومحاولات فصل الساحة اللبنانية عن الحرب الدائرة على قطاع غزة، إضافة إلى تمكين " يونيفيل" من القيام بمهماتها، كما سبق وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان، خصوصاً أن القوات الفرنسية الموجودة جنوب لبنان تعد من بين أبرز القوى المشاركة في اليونيفيل ويفوق عددها الـ600 جندي، وفي ما بدت زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان، وهي الأولى له بعد تعيينه حديثاً، بمثابة الزيارة الأستكشافية من دون طرح محدد، ومع تأكيد مصدر دبلوماسي بأن الملف الأمني اللبناني ــ الإسرائيلي هو في عهدة الجانب الأميركي، في حين تتولى الدول الأربعة في المجموعة الخماسية، وهي مصر وفرنسا وقطر والسعودية، الملف السياسي، ويقال بأن زيارة سيجورني تشكل إستكمالاً للمساعي الفرنسية ألتى بدأت منذ الأيام الأولى لإندلاع الحرب على غزة والمستمرة لتهدئة جبهة الجنوب، إذ تسعى فرنسا إلى إعادة توازنها في المنطقة بعد كسر الجليد، وتأتي نتيجة التصريحات الأولى للإدارة الفرنسية غير المحايدة والداعمة لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين، وسعى الوزير الجديد إلى نقل رسالة بضرورة تحييد لبنان وتنفيذ القرارات الدولية وفي مقدمها القرار رقم 1701، والعمل على تحقيق المناعة الأمنية بعد النجاح في التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، خصوصاً أن فرنسا كما المجتمع الدولي تعتبر أن الشريك الأساس للمنظومة الأممية على المستوى الأمني هو الجيش اللبناني والقوى العسكرية الشرعية، وعلى المستوى السياسي الحكومة اللبنانية، وتحاول فرنسا من خلال زيارة وزير خارجيتها أيضاً في هذه المرحلة أن تحجز لها مكاناً في الحل الإقليمي الذي يتناول مباشرة حرب غزة، كما تسعى إلى أن تكون لها كلمة أساس في ما يتعلق بالحل الأمني في لبنان والمرتبط بالإستقرار على الحدود مع إسرائيل، وتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 بما يؤمن مناعة سياسية للدولة اللبنانية ويسمح لها بالإستمرار، وتزامنت زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان مع زيارة يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل، والزيارتان وإن كانتا غير منسقتين أو مرتبطتين بصورة مباشرة فإن نتائجهما قد تصبان في الإتجاه نفسه، خصوصاً أن المسارين يعملان لمصلحة توفير الأمن والأستقرار بين لبنان وإسرائيل، ويشرح المصدر المطلع على السياسة الفرنسية أن باريس من خلال الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، تحاول منذ فترة العمل على مبادرة من خلال إجتماع عقد في فرنسا بين مسؤولين في الإستخبارات للبحث في صيغة الأتفاق المستقبلي عن وقف إطلاق النار، أو هدنة قابلة للتجديد يمكن أن تغير نتيجة الصراع في قطاع غزة، إضافة إلى مساعيها المستمرة لفصل لبنان عن حرب غزة وتحييده بصورة كاملة، ودعمه لتأمين التهدئة على الحدود الجنوبية وتنفيذ القرار رقم 1701، ومن هذه الزاوية يمكن الحديث عن تماس بين المسعى الفرنسي والأميركي الذي سينحصر في توفير الأمن للبنان تمهيداً للأستقرار السياسي من دون أي إستثمار لأية جهة لبنانية في هذا الحل، ولم تنجح المساعي الدبلوماسية الأميركية حتى الآن في توفير ضمانات مؤكدة في شأن منع إسرائيل من تنفيذ تهديداتها ضد لبنان وإن كانت الدبلوماسية تتقدم على أية إحتمالات للحرب، فموقف إسرائيل ثابت وقد تبلّغه هوكشتاين، وهي لن تسمح بأن تعود الأمور على الحدود الشمالية لما كانت عليه قبل السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، وفي المقابل تحاول إدارة بايدن إقناع تل أبيب بعدم جدوى ضرب لبنان لأنها قد تدمر كل إمكانات التوصل إلى حل نهائي على حدودها خلال المرحلة المقبلة، كما أن توسيع الحرب سيدفع إيران إلى التصعيد، وهي لم تعط أية إشارة مباشرة بذلك، ويقال اليوم بأن البيت الأبيض يعمل على التوصل إلى تهدئة على الحدود بين لبنان وإسرائيل بإنتظار بناء الإستقرار ليصار في مرحلة لاحقة إلى البحث في الحدود البرية وملفي كفر شوبا ومزارع شبعا، وعلى الرغم من الصمت المطبق حول مهمة هوكشتاين وعدم إطلاع الكونغرس ومجلس الشيوخ على تفاصيلها وسط تساؤلات حول حصر إتصالاته بالرئيس نبيه بري ومن خلاله بـ حزب الله من دون أي تواصل مع القوى السياسية اللبنانية الأخرى، فإن المسؤولين في الإدارة وكذلك في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين يجمعون على أن مهمة الوسيط الأميركي في لبنان لا تنص على أية مقايضة مع حزب الله ولا ترتيبات أمنية في الجنوب لقاء مكاسب سياسية للحزب، وأن المساعي الأميركية والدولية والعربية تفصل بين ملف الحدود والتهدئة وبين الإستحقاق الرئاسي، على رغم الدعوات المتكررة إلى ضرورة إنتخاب رئيس جديد، خصوصاً أن التهدئة إن تحققت ستفتح باباً للنقاش والتفاوض حول ملف الحدود البرية، وغياب رئيس الجمهورية سيسمح بإستمرار رئيس مجلس النواب كمفاوض وحيد في إشارة غير مستحبة إلى أن البلد ممسوك من قبل حزب الله، وأنه لا يزال الملف اللبناني ضمن الملفات المصنفة من جانب الأمن القومي الأميركي، وقد سمعوا في أروقة الإدارة الأميركية أن المنطقة دخلت مرحلة إستئصال الحالات المتطرفة في كل من إسرائيل وغزة ولبنان وإيران، وأن حل الأزمة الإقليمية سيقوم على قاعدة الإعتدال وسيكون المدخل من لبنان، وبالتالي فإن خريطة الطريق الأميركية، وفق زوار واشنطن، تبدأ بتأمين الأمن والأستقرار السياسي عبر المؤسسات الدستورية واستمرار دعم الجيش اللبناني الذي لا يزال، وفق الإدارة الأميركية، يملك إستقلالية عن حزب الله، كما يشدد الجانب الأميركي في نظرته إلى لبنان على الحفاظ على ميزة هذا البلد التعددية والتشاركية ومنع إستخدام الدين والطائفه من أجل المكاسب السياسية.