أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني، المسلمين بتقوى الله تبارك وتعالى، فهي نعم الزاد ونعم المتاع، وتأمّل واقع الدنيا فكم من عامر متقن يخرب بعد عماره، وكم من إنسان أعطيها فهو مغبوط وعما قريب ترحل عنه أو يرحل عنها.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إذا علم العاقل ذلك سارع إلى مرضاة ربه وأحسن وزاد في إحسانه، قال الله عزوجل (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، وقال تبارك وتعالى (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، وإنما تكون المسارعة بسعيكم في صالح الأعمال وإن رأيتموها يسيرة، وإحجامكم عن المعاصي وإن كانت في نفوسكم حقيرة، حتى لا يتكاسل الإنسان عن فعل كل ما به أمر من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعرفان ما عرف وإنكار ما أنكر، فلا تهملوا شيئاً من الطاعات فلرب طاعة كانت سبباً إلى النعيم السرمدي، ولا تتهاونوا بشيء من المخالفات فرب مخالفة صارت سبباً إلى الشقاء الأبدي، فاستبقوا الخيرات لتنالوا جنته ورضوانه.
وأضاف: نحمد الله المنان الذي فضل ما شاء من الزمان والمكان فكما فضل بعض الساعات وبعض الأيام، واختصها بأنواع من الهبات والبركات فقد اختار من الشهور المفضلة شهر شعبان مقدمة لشهر عظيم تُمحى فيه الذنوب ويتجلى فيه علام الغيوب، نزل فيه من الأحكام آيات بينات، وحصل فيه لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً معجزات باهرات، هو شهر تشعبت فيه الخيرات وترتبت فيه أعمال صالحات، وقد حاز بذلك تفضيلاً، في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم شعبان كله، وفي رواية إلا قليلاً، وإنَّما كان يُكثِرُ مِن الصِّيامِ في شَهرِ شَعبانَ خُصوصًا؛ لأنَّه شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ لربِّ العالَمِين، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْن رجَبَ ورَمَضانَ، كما جاء ذلك في رِوايةٍ عندَ النَّسائيِّ وأحمَدَ عن الحب بن الحب أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
وبين "الجهني" أن على كل مسلم أن يعمل فيه ما استطاع من طاعة وإحسان ولو أن يصوم فيه ما تيسر راجياً من الله القبول والغفران من الكريم المنان، وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان، جاء في بعض الآثار تسمية شعبان بشهر القرآن، ومعلوم أنّ قراءة القرآن مطلوبة في كلّ زمان، ولكنّها تتأكّد في الأزمنة المباركة والأمكنة المشرفة.
وأوضح خطيب الحرم المكي أن من أفضل الطاعات التي ترفع الدرجات هو توحيده عز وجل بربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته وإقامة الصلاة والصدقة على الأرحام والأرامل والأيتام وأهل الفقر والحاجات، فاتقوا الله أيها المسلمون، واشكروه عزوجل على أن بلغكم هذا الشهر الفضيل واعلموا أن الأزمنة في الفضائل متفاوتة، فصلوها بالصالحات واعمروها، وأن النفوس للتكامل والراحة مائلة فاعصوا هواها وأقهروها، وإن الدنيا ليست دار إقامة فاعبروها ولا تعمروها، وإن الكيس العاقل لا يستعذب فيها مقامه فاتركوا صحبتها واهجروها، واجتهدوا في الأزمنة الفاضلة فوق المعتاد واكتسبوا من ذخائرها النفيسة ما ينفع يوم المعاد...