يموتُ الناسُ جوعاً في غزةَ ، افترسهم الحصارُ بأنيابه الحادة ، يتعرضون لحربِ إبادةٍ مدبَّرَةٍ، حربُ اجتثاثٍ وحشيَّةٍ ، قصفٌ جويٌّ وبريٌّ وبحريٌّ منذ خمسة أشهر، أُسقِط عليها ما يُعادلُ ثلاثُ قنابلَ ذرية، بقصدِ مسحِها من الخارطة، تتعرضُ إلى هجومٍ بريٍّ قوامُه سبعة فرقٍ مدرعة، لكنّ صمود غزة الأسطوريّ أذهل العالم، غيّر موازين المعركة، أفشل قوّة الردع، شوّه صورة الجيش الذي لا يُقهر، تحطّمت فوق رمال غزّة نظريات الحرب العسكرية.
الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطينيّ في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، كلّه في سبيل تثبيت مشروع العلوّ والإستكبار الإسرائيليّ، والتمكين له للاستئثار بخزائن الأرض وأموال الدنيا، وتوسيع مناطق نفوذ هذا السرطان الخبيث، فالخبيث لا أثر له إلا الضرّ والشرّ والأذى والفسادِ في الأرض.
نحنُ أمامَ قانونٍ دوليٍّ، يشوبُه العَوَرُ تارةً، و العجزُ تارةً، وتارةً القصور، العالمُ الغربيُّ يخضعُ لرغبة فرعون الذي يرفضُ وقفَ إطلاق النار، الأردنُّ يصارعُ الكونَ، يطوفُ حولَ الدنيا لوقفِ المحرقة، منطلقاً من مسؤوليةٍ قوميةٍ ومشاعرَ إنسانية وروابط الدين والتاريخِ والدمِ والقربى، من أجلِ إيجادِ أُفُقٍ سياسيٍّ لحلٍّ الدَّولتين.
الدعم اللوجستي الذي يقدمه الأردن لغزة، هو واجبٌ وطنيٌّ وأخلاقيٌّ والتزامٌ دينيٌّ يدعو للفخر والإعتزاز، يُعبِّرُ عن موقفٍ أردنيٍّ راسخٍ وثابتٍ من القضية الفلسطينية ، يستمرُّ في عمليات الإنزالِ الجويٍّ، بتوجيهاتٍ ساميةٍ وبمشاركةٍ شخصيةٍ من جلالةِ الملك، يعكس مسؤولية القائد الذي لا يخذلُ أهله، يغيثُ الملهوف والمنكوب وينصر المظلوم، لا ينهضُ بهذه المسؤولية إلا وطن الشهامة والنخوةِ والمروءةِ ، أمّا من يجلدون الأردن فهم مثل إخوةُ يوسفَ يكرهونه لمزاياه وليس لعيوبه .