نيروز الإخبارية : نيروز الاخبارية:
بقلم: د. زكريا محمد الشيخ.
إضراب الثلاثين من مايو له بُعد استراتيجي في علاقة الدولة مع الشعب والعكس صحيح، وليس حدثا عابرا أو زوبعة في فنجان كما قد يعتقد البعض انما له تبعاته (Consequences) على المدى الطويل، الامر الذي يتطلب من مراكز صنع القرار واصحاب العصف الذهني (Think Tanks) في مطبخ الدولة الاردنية تحليله بعمق وروية والالتفات الى التغيرات السيكولوجية ونمط التفكير والتعبير عن الرأي التي طرأت على شخصية المواطن الاردني جراء وضعه الاقتصادي المزري.
ان كسر حاجز "شعرة معاوية" في العلاقة الثنائية (الشعبوحكومية) وبروز مفهوم "قوة الشعب People’s power" ونزوله الى الشارع والذي قد يتطور الى عصيان مدني يشير الى ان الأغلبية العظمى من الشعب وصل الى مرحلة عدم القدرة على التحمل (Intolerance) وبالتالي دخل في مرحلة معقدة ومتشابكة كونه "لم يبق لديه شيء ليخسره" وهو شعور خطير لعدم القدرة على مساعدة ذاته أو غيره (Helplessness).
إن الفاتورة الأمنية والاجتماعية التي ستدفعها الدولة جراء حالة الاحباط السائدة والفقر لدى أغلبية ساحقة من المواطنين الاردنيين تفوق الفاتورة التي كانت تعتقد الحكومة انها ستوفرها جراء رفع الأسعار المستمر وخطتها لإقرار قانون ضريبة الدخل (المجزرة) الجديد.
اذا كانت الدولة الاردنية تريد ان تبعث برسالة واضحة الى البنك وصندوق النقد الدوليين لجهة تخفيف الضغوطات التي تُمارس عليها لإقرار مشروع القانون الجديد من خلال إظهار السخط الشعبي العارم الذي اجتاح كافة محافظات المملكة جراء الاستسلام الحكومي لمشروع قانون الضريبة المفروضة اغلب بنوده من جهات دولية.. فأقول ان الرسالة قد وصلت وعلى الحكومة سحب مشروع القانون فورا والبدء بحوار وطني شامل حول سبل مكافحة التهرب الضريبي من قبل كبار المكلفين ضريبيا والذي يفقد الدولة مليارات الدنانير ولكن دون المساس بأصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة.. حينها ستجد الحكومة دعما شعبيا لتوجهها.
المواطن كذلك عليه ان يعي ان هناك جهات كثيرة زاولت التهرب الضريبي لعقود طوال وحرمت الدولة من المليارات تحاول الان الافلات من إقرار قانون ضريبي يجرمهم ويلاحقهم قانونيا كونهم سيكونون أكثر الجهات المتضررة، فهناك بعض القطاعات المهنية تغولت على المواطن الاردني وعلى القانون الاردني، وهم اصحاب مهن معروفة، وبعضهم يحاول ركوب موجة الغضب الشعبي المبرر وتسخيره لخدمة غاياتهم الشريرة لاستمرار حالهم كما هو عليه من عدم رقابة وتهرب ضريبي اعتادوا على ممارسته وأصبح حقا مكتسبا لهم.
الغاية لا تبرر الوسيلة.. إذا كانت غاية الحكومة ملاحقة المتهربين ضريبيا فهذه غاية نبيلة ولكن الوسيلة يجب ان لا تكون بخنق المواطن المنهك كاهله أصلا بثقل الالتزامات المالية المتراكمة، فتأمين كرامة المواطن هو بالأصل يجب ان يكون هدف سام من أهداف الدولة.. ولكن مشروع قانون الضريبة الجديد هو هدر لما تبقى من هذه الكرامة.. فالفقر آفة الآفات.. ولو كان رجلا لقتله الصديق عمر رضي الله عنه.
خلاصة القول: الدولة لها الحق بإقرار قانون يجرم ويلاحق المتهربين ضريبيا.. واصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة لهم الحق ان يرفضوا بان يكونوا كبش فداء "حيتان البلد" من المتهربين ضريبيا.. والحل هو: طاولة الحوار الوطني المسؤول والانفتاح والمصارحة بين كافة مكونات الوطن للوصول الى قانون توافقي يحقق غايات كافة الأطراف.. وللحديث بقية.
* نائب سابق ورئيس مجلس إدارة مجموعة "الحقيقة الدولية" الاعلامية