*كيف يرد محور المقاومة على اغتيال هنية وفؤاد شكر وقصف الحديدة
*وهل جاءت الأقدار بنتنياهو لتدمير "إسرائيل"
وأسئلة أخرى
يبدو أنه بدون فهم معطيات السياسة الإسرائيلية في عقل "مجرم الحرب" نتنياهو، سيتعذر علينا تفسير آخر التداعيات السياسية والميدانية لما يدور في الشرق الأوسط الملتهب من تطورات متدحرجة، وذلك في سياق حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" ضد غزة القابضة على الجمر، بعد أن ابتُليَ هذا العقل المضطرب والمصاب برهاب المجهول بالإحباطات المزمنة على كافة الصعد.
فكيف سيتحمل هذا العقل الصدمة وقد طالت "أناه" عنان السماء، وهو يتجرد من خصائص التفوق أمام مقاومة صنعت المستحيل للنيل من حلمه بإسرائيل الآمنة المتمدة، ضمن اتفاقيات تطبيعية إبراهيمية كان من شأنها أن تحكم علاقات تل أبيب مع العواصم العربية.. وقد أوشكت السعودية أن تبرم أهم اتفاق تطبيعيّ مع نتنياهو لولا طوفان الأقصى الذي سد عليه المنافذ وحاصره في مشاكله الداخلية العصية على الحل.
وهو ما أخرج نتنياهو عن طوره، بعد أن عجز تماماً عن تحقيق أهدافه التي شهدت تراجعات متعاقبة منذ السابع من أكتوبر، بما أجيز تسميته بلعنة طوفان الأقصى التي أربكت خياراته الاستراتيجية، وجعلته يتخبط في العتمة دون أن يخرج بشعار ثابت يعنون سياسته الخرقاء.. والتي يسعى من خلالها تحقيق نصر وهمي ولو من خلال عمليات تكتيكية هنا وهناك؛ كي يخرج سالماً من عنق الزجاجة.
وكانت الطّامّة الكبرى بالنسبة إليه أنه بعد مرور عشرة أشهر على بدء طوفان الأقصى لم يظفر نتنياهو بأي نصر يذكر، حتى لو كان صورياً؛ كي يقنعَ من خلاله الإسرائيليين بسلامة رؤيته التي وصفها كثير من الخبراء بالعمياء، كونها غير ناضجة، ولا تحقق شروط المستوى الاستراتيجي الموضوعي الذي يقوم عادة على وضوح الرؤية، ومنطقية الخطوات التكتيكية التي من شأنها لو نفذت بإتقان وبإشراف سياسي وعسكري متوافق ضمن الكابينيت، أن تحقق الأهداف المنشودة، في إطار نصر واضح المعالم دون تمويه إعلاميّ، ما يؤسس لأهداف أوسع نطاقاً.
بينما الراصد لمسيرة نتنياهو بعد الطوفان سيجد سلسلة من الإخفاقات التكتيكية المتراكمة، والتي أغرقت نتنياهو في فوضى القرارات الارتجالية المفخخة بالصراعات الداخلية بين المستويين العسكريّ والسياسيّ، لذلك كانت إخفاقاته تتحول إلى سلوك وحشيّ، بالانتقام من الفلسطينيين، وارتكاب مزيد من المجازر التي زادت من عزلة "إسرائيل" دولياً، وباتت مطاردة بتهم الإبادة ضد الفلسطينيين من قبل محكمة العدل الدولية، وأصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْنْ لدى محكمة الجنايات الدولية، لا بل أن مجلس الأمن أدان إسرائيل مطالباً بإيقاف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.
ويبدو أن نتنياهو وهو يحمل السلم بالعرض، صار يبحث عن حلّ يخرجه من عنق الزجاجة -حيث أوشك أن يصاب بالاختناق- باتجاه توسيع دائرة الحرب إقليمياً؛ بغية توريط أمريكا فيها مباشرة؛ لتسانده في استراتيجيته العمياء.
على الأقل يكون بذلك قد ضمن إطالة الحرب حتى يحقق أهدافه في أدنى مستوياتها بعد أن فشل في اجتثاث حماس وتهجير الفلسطينيين وتحرير الأسرى.
والهرب أيضاً إلى الأمام من السجن الذي ينتظره من جراء قضايا الفساد التي تطارده، إلى جانب هيجان الشارع الإسرائيلي ضده الذي يطالبه بالاستقالة بسبب إهماله لصفقة تبادل الأسرى، وكي يرضي غرور اليمين الإسرائيلي من خلال رضوخه للمُتَطَرِّفَيْن في حكومته (سموتريتش وبن غفير).
لذلك كله، استغلّ نتنياهو سطوة اللوبي اليهودي على الانتخابات الأمريكية كي يَجِدَ لاستراتيجيتِهِ العمياءَ طريقاً إلى العقل الأمريكي، المنشغل في أتون معركةِ كسرِ العظامِ الانتخابيةِ الأمريكية، عساه يظفر بغايته.
وكانت "الميكافللية النفعية" قد دفعت الجمهوريين إلى دعوة نتنياهو إلى الكونغريس الأمريكي؛ كي يستعرضَ عضلاتَه بإلقاء خطابٍ قدْ يُرضي غرورَه، فيحظى بالتصفيق المدوّي المتعاقب من قبل النواب والشيوخ، كما حصل ذات يوم مع الرئيس الأوكراني زلينسكي الذي صُفِّقَ لكلمته المتلفزة طويلاً؛ وكأن أبراهام لينكون خرج للتو من قبره ليُلقِيَ خطاب "البعث والنشور" أمام المتحسرين على عهده الأمريكي الميمون حينما حرر العبيد من سطوة أمثال هؤلاء القادة الذين يحتفون بالقتلة.
حينها، لم يُكْتَمَلُ النِصَابُ الذي ضَمَّ الجمهورين في حفل التصفيق "المهين"؛ حيث تغيب أكثرُ من تسعين عضو ديمقراطيّ، حيث عَوَّضَ المنظمون أعدادَهُم بالكومبارس -وفق ما جاء في تغريدة إحدى الديمقراطيات على منصة أكس-.
سوى النائبة الديمقراطية رشيدة طليب التي حضرت الخطاب عن قصد، إذْ نجحت في رفع عبارة " مجرم حرب" بوجه نتنياهو، توافقاً مع الجماهير الرافضة لهذه الزيارة -التي وُصِفَتْ بالمُشينة، وقد اكتظت بهم الساحات خارح مبنى الكابيتول، فيما احتل أكثر من 300 يهودي بهو المبنى، هاتفين جميعاً بصوت عالٍ صدّع رأس نتنياهو في أنه مجرم حرب ولا يمثلهم؛ لذلك نعتهم بالهمجيين وأعداء السامية الذين تحركهم إيران في لهجة تحريضية حظيت بتصفيق حاد، فكانت الفرصةُ سانحةً لدعوته أمريكا إلى "إنشاء تحالف دولي في الشرق الأوسط يجمع إسرائيل ودولاً عربية وأمريكا، لمواجهة إيران".
وهي دعوة منه لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية يسعى إليها ضد إيران. فهل نجح في ذلك؟
إذْ أنه ما أن انتهى حفل التصفيق الأجوف في القاعة التي يشبه مسقطها الأفقي الشمعدان اليهودي، حتى صُدِمَ نتنياهو من موقفيّ المُرَشَّحَيْن للرئاسة الأمريكية، ولم يتوقع أن يحاصراه بشأن الحرب على غزة.. وقد أدرك إزاء ذلك بأنه مجرد ورقة انتخابية لكسب ودّ اللوبي الصهيوني فقط.
فنائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس التي امتنعت عن حضور خطاب نتنياهو في الكونغريس أو إجراء مؤتمر صحفي مشترك معه.. أخبرته بأنها حال فوزها في الانتخابات فأول ما ستفعله هو السعي لإيقاف الحرب على غزة.
أما ترامب من جهته الذي لا يؤمن إلا بالحروب الاقتصادية الرابحة فقد طلب منه إنهاء الحرب على غزة قبل فوزه في الانتخابات.
ولكن نتنياهو ليس من أولئك القادة الذين يرضخون للإملاءات بسهولة، فقد رتب الأمر في رأسه باتجاه التصعيد الميداني؛ كي يحرج الموقف الأمريكي، فتنجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً ضد إيران وأذرعها (فصائل المقاومة) وفق رؤيته العمياء.
وقبل التصعيد بأيام، وللاستهلاك المحلي، قام نتنياهو بتفجير اتفاقية بايدن حول صفقة تبادل الأسرى، باللجوء إلى الخطة البديلة التي تضمنت شروطاً جديدة لا تقبلها حماس، تجلت بضرورة إقرار حماس بعدد الأسرى الأحياء الذين سيتم تحريرهم في المرحلة الأولى، مع ضرورة بقاء جيش الاحتلال في محور فلدلفيا على الحدود المصرية، ومحور نستريم وسط القطاء مع بناء جدار إلكتروني؛ لضمان عدم عودة مقاتلي حماس إلى الشمال.
ويدرك نتنياهو بأن حماس لن تقبل بذلك، الأمر الذي من شأنه أن يفضح نوايا نتنياهو التدميرية للمقترح الأصلي، وأنه يسعى بذلك إلى تخدير الشارعَ الإسرائيلي من خلال إدِّعائِهِ طرحِ مقترحٍ يؤكدُ سلامةَ موقفِهِ من صفقةِ الأسرى،
ثم يَعْقُبُ ذلك، تصعيدٌ الإسرائيليٌّ متسارعٌ للحرب على محور المقاومة، من خلال ثلاث عمليات نوعية لا سبيل لتجاهل الرد عليها، وقد تجاوزت"إسرائيل" خلالها كلَّ قواعد الاشتباك بهدف إغراق المنطقة في الفوضى وخلط الأوراق، وتوحيد الصف الإسرائيلي من خلال إقناعهم بأنه بدأ يحقق انتصارات حقيقية على الأرض.. وليثبتَ لهم بأنه القائد الملهم الضامن لأمن "إسرائيل" ووجودها.
وقد حظي نسبياً بذلك.. وصار يعيش أوهام أن أمريكا سوف تتورط أكثر في مستنقع حرب إقليمية لا تبقي ولا تذر، ما لم توقفها الكوابح الأمريكية وهي في الذروة، رغم صعوبة ذلك.
فنتنياهو أوقع الحجر في البئر بكل بساطة، فمن يستطيع إخراجه! هنا يكمن السؤال!؟
فنتنياهو هو من أعطى الأوامر بقصف ميناء الحديدة قبل زيارته لأمريكا..
واعترف بمسؤولية "إسرائيل" عن اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر إثر الغارة التي شنتها "إسرائيل" على ضاحية بيروت الجنوبية (حارة حريك) مساء الثلاثاء الماضي.
وقد اعترف ضمنياً باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة إسماعيل هنية في طهران، أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.. وذلك في كلمته المتلفزة يوم أمس حينما تحدث عن ضرب أذرع إيران،
وهذا يعني أن ما قامت به"إسرائيل" يمثل عدواناً سافراً على سيادة كل من: اليمن وإيران ولبنان ما يسترعي رداً حازما من الدول التي اعتدي عليها.
فمن جهته أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، أمراً لإيران بشن هجوم وازن مباشر على "إسرائيل"، رداً على مقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
وفي خطابه يوم أمس الأربعاء قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن المواجهة تجاوزت مرحلة الإسناد وتحولت إلى معركة كبرى وإن الرد على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر آت لا محالة، وسيكون جديا وحقيقياً ومدروساً.
وخلاصة القول أن نتنياهو جلب الكارثة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، فالرد هذه المرة سيكون مزلزلاً، وقد لا تنجر أمريكا إلى الحرب إلا من خلال دور مساند حذر.. مع أن نتنياهو يعلم بأن الكيان الإسرائيلي المحتل الذي يرأس حكومته اليمبنية المتطرفة، تستنزفه المقاومة في غزة بكفاءة واقتدار، ويعاني هذا الكيان المترهل من كوارث اقتصادية مدمرة، وهو مطارد من المحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، ويعاني من العزلة الدولية.. فوفق ما قالته القناة 12 الإسرائيلية فإن تحليلاً أجرته شركة "ميغ أي آي" كشف عن "أن الأغلبية المطلقة للمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات في وسائل الإعلام الدولية الكبرى هي ضد إسرائيل".
أما على صعيد داخلي، فإن التطرف اليميني الذي يلتف من حول نتنياهو سيتحول إلى أداة هدم للكيان الإسرائيلي، والذي تشرذمه الخلافات، وينخر عظمه التطرف.
ففي وصفه لاقتحام أكثر من ألف متطرف من بينهم أعضاء في الكنيست الإسرائيلي، لسجن سدي تيمان الإسرائيلي، قال المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل: "إن ما شهدناه في سدي تيمان هو محاولة لقيادة تمرد ميلشياوي".
ولكن زعيم المعارضة لابيد فقد ذهب إلى أكثر من ذلك، حيث دق ناقوس الخطر قائلاً: "إذا لم نقف في وجههم -أي اليمين المتطرف- فستنهار البلاد"
فهل هي نهاية "إسرائيل" وفق نبوءة العقد الثمانين التي تنبأت بها الكتب الدينية اليهودية وتحدث عنها باراك في وصفة للسابع من أكتوبر؟
أم أن في حرب الإرادات لا بد وينتصر صاحب الحق مهما قدم من تضحيات..