عام دراسي جديد انطلق في مدارس الضفة الغربية اليوم دون قطاع غزة الذي يشن الاحتلال الإسرائيلي عليه حرب إبادة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، تسببت بحرمان أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم للعام الثاني، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً كان من المفترض أن يلتحقوا بالصف الأول.
أطفال القطاع وبدلاً من العودة إلى المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء أو إلى كومة أنقاض جراء قصف الاحتلال باتوا يحملون أعباء ثقيلة لا حقائب مليئة بالكتب والدفاتر، وأحلامهم عن المستقبل الذي سيصبحون فيه أساتذة وأطباء ومهندسين وشباباً فاعلين في وطنهم باتت مسؤوليات يومية يحملونها مع أسرهم لتحمل الظروف الصعبة التي فرضتها حرب الإبادة، فهم
إضافة إلى مرارة اليتم والتشرد يمشون حفاة تحت الصواريخ والقنابل وزخات الرصاص على طرقات وعرة جرفها الاحتلال، وينتظرون طويلاً في طوابير للحصول على المياه التي يحملونها بمشقة إلى الخيام، فيما ينتظر آخرون في مطابخ الجمعيات الخيرية لإحضار نصيب عائلاتهم من الطعام، بينما يعمل بعضهم من أجل الحصول على مبالغ زهيدة تسهم في توفير بعض احتياجات أسرهم من سلع وبضائع باتت شحيحة في الأسواق جراء الحصار.
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أوضحت أن عدوان الاحتلال على غزة تسبب باستشهاد وجرح أكثر من 25 ألف طفل، منهم ما يزيد على 10 آلاف من طلبة المدارس وسط تدمير 90 بالمئة من مباني المدارس.
وأشارت الوزارة إلى أن العدوان الذي يقترب من دخول عامه الثاني يحرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول الماضي، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد فضلاً عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.
ولفتت الوزارة إلى أن 806360 طالباً التحقوا اليوم بـ 2459 مدرسة في الضفة الغربية يتلقون تعليمهم بإشراف 51447 معلماً ومعلمة، موضحة أن الحال في القطاع لا يختلف كثيراً عن واقع حال التعليم في القدس الذي لا يزال تحت وطأة سياسات الاحتلال التهويدية، والأمر ذاته ينطبق على مراكز مدن الضفة والمخيمات التي باتت مسرحاً لاعتداءات يشنها الاحتلال مثل جنين وطولكرم ومخيماتهما.
المتحدث باسم وزارة التربية صادق الخضور أوضح أن الوزارة تعتزم البدء بخطوات عملية لتنفيذ خطتها المتعلقة بإنقاذ التعليم في غزة، مشيراً إلى الإقبال الكبير الذي شهدته الوزارة على التسجيل ضمن مدارس افتراضية للتعليم الإلكتروني خصصت لطلبة القطاع، وذلك في إطار ما يمكن تقديمه من تدخلات طارئة انتظاراً لانتهاء العدوان لتنفيذ التدخلات الشاملة.
وبين الخضور أن الوزارة تعمل على إنقاذ العامين الدراسيين الماضي والجديد ضمن أجندة عام دراسي واحد، حيث إنه في النصف الأول من العام ستتوجه الجهود لإنقاذ العام السابق عبر استيفاء ما يجب استيفاؤه لدى الطلبة من المواد الدراسية، ومن ثم البدء بالعام الدراسي الحالي في النصف الثاني من العام ذاته.
وعن عدم تمكن جزء كبير من طلبة قطاع غزة من الالتحاق بالمدارس الافتراضية نظراً لضعف وانقطاع خدمة الإنترنت، قال الخضور: إن الوزارة ستتعامل مع هذه المشكلة على مستويين، الأول هو توفير المزيد من نقاط البث وتقوية الإنترنت بالتعاون مع شركات الاتصال الفلسطينية وخاصة في تجمعات النازحين، أما في المستوى الثاني فسيتم تسجيل الدروس بحيث يتمكن الطلبة من حضورها في وقت لاحق في حال تعذر أو انقطاع شبكة الإنترنت.
الطالب محمد الخطيب ذو الثمانية أعوام يتحدث بحسرة وشوق للمدرسة قائلاً: أتمنى انتهاء الحرب والجلوس على مقعد الدراسة، التحقت قبل الحرب بمدرستي لمدة شهر ونصف فقط، اليوم باتت العودة إلى المدرسة حلماً.
وفي إحدى المدارس التي تحولت إلى مركز إيواء شمال مدينة خان يونس جنوب القطاع تقول سعاد علوان 55 عاماً: الاحتلال دمر منازلنا واضطررت مع أطفالي ومع مئات العائلات أن نسكن في المدارس، فباتت الفصول مأوانا بدلاً من أن تستقبل الطلاب، مشيرة إلى أن أطفالها كانوا متفوقين ويدرسون في ذات المدرسة التي نزحوا إليها وكان من المفترض اليوم أن يعودوا إليها بكتبهم وأحلامهم، لكن حرب الإبادة حرمتهم من ذلك.
وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة أوضحت أن لديها نحو 200 مدرسة في القطاع كانت تؤمن التعليم لأكثر من 300 ألف طالب، وتم إغلاقها جميعاً منذ بدء العدوان، واستخدم العديد منها كملاجئ طيلة الحرب، مبينة أن 70 بالمئة من مدارسها تعرضت للقصف الذي دمر بعضها بالكامل، إضافة إلى تضرر أخرى بشكل كبير، لافتة إلى أنه في بعض المدارس تعمل فرق الأونروا على إعادة آلاف الأطفال إلى التعليم من خلال الأنشطة الترفيهية والدعم النفسي والاجتماعي.
المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف” تيس إنغرام حذرت من أن الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بأطفال غزة، فصغار السن يعانون في نموهم المعرفي والاجتماعي والعاطفي، والأطفال الأكبر سناً معرضون لخطر أكبر جراء اضطرارهم إلى العمل أو الزواج المبكر، وكلما طالت فترة بقاء الطفل خارج المدرسة زاد خطر تركها بشكل دائم وعدم العودة إليها.
ولفتت إنغرام إلى أن اليونيسف ووكالات الإغاثة الأخرى تدير حالياً 175 مركزاً تعليمياً مؤقتاً قدمت الدعم لنحو 30 ألف طالب، بفضل 1200 مدرس متطوع، وتقدم هذه المراكز دروساً في القراءة والكتابة والحساب، إضافة إلى أنشطة لدعم الصحة العقلية والتنمية العاطفية.
وبينت إنغرام أن هناك صعوبات في الحصول على الأقلام والورق والكتب لأنها لا تعتبر أولويات منقذة للحياة، حيث تكافح مجموعات الإغاثة لإيصال ما يكفي من الغذاء والدواء إلى غزة، لكن الهدف من المراكز التعليمية المؤقتة هو منح الأطفال بعض الراحة وفرصة للتواصل مع أصدقائهم، وأن يكونوا مجرد أطفال، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 1.1 مليون طفل في غزة بحاجة إلى مساعدة نفسية واجتماعية.