يمثل الظهور العلني للمقاتلة الشبح J-35A في معرض جوي بالصين، محور احتفالات القوات الجوية الصينية بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها، وهو علامة بارزة في حملة الزعيم الصيني شي جين بينغ الشاملة لتحديث قوات بلاده، في مواجهة الهيمنة العسكرية الأمريكية، ويبدو أن خطوات كبيرة قطعت في هذا الاتجاه، ما أثار قلقاً في واشنطن بشأن القوة العسكرية المتوسعة لبكين.
وعلى مدار الأسبوع استعرضت القوات الجوية الصينية مجموعة من الأسلحة الجديدة، بما في ذلك مقاتلة شبح جديدة وطائرة هجومية بدون طيار، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً على قدرتها المتقدمة على تحدي الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
اللقطات التي بثتها القنوات الصينية أظهرت طائرة واحدة من طراز J-35A تحلق فوق حشود من المتفرجين في رحلة جوية قصيرة في اليوم الافتتاحي لمعرض الطيران بمدينة تشوهاي جنوبي البلاد، حيث قامت باستعراض حاد قبل أن تبتعد وتختفي عن الأنظار.
وسائل الإعلام الصينية سلطت الضوء على الطائرة J-35A باعتبارها الحدث الرئيسي في تشوهاي، مشيرة إلى أن ظهورها لأول مرة يجعل الصين الدولة الثانية، بعد الولايات المتحدة، التي تقوم بتشغيل نموذجين من المقاتلات الشبح. حيث يستخدم الجيش الصيني بالفعل المقاتلة الشبح J-20، وهي طائرة حربية أكبر مصممة في المقام الأول لتكون منصة للتفوق الجوي، والتي يعتبرها بعض المحللين المعادل الصيني التقريبي للطائرة الأمريكية F-22.
ولم تعلن بكين متى ستصبح الطائرة J-35A جاهزة للعمل، ولم تكشف عن الكثير من قدراتها التقنية. ووفق تقارير غربية فقد تم تطوير J-35A لأكثر من عقد من الزمن، وقد تم وصفها بأنها مقاتلة شبحية متعددة الأغراض قادرة على القيام بمهام هجوم جو-جو وسطحية. ويقول الخبراء الصينيون إن التصنيف «A» يشير إلى النماذج الأرضية، ومن المقرر أن يتبعها طراز بحري.
وتشير التقارير إلى أن الجيش الصيني وضع متطلبات فنية أعلى لقدرات التخفي للطائرة J-35A، وكان المصنعون بحاجة إلى تطوير تكنولوجيا جديدة لتحقيق هذه الأهداف، وفقاً لوانغ يونغ تشينغ، كبير الخبراء في معهد تصميم الطائرات التابع لشركة صناعة الطيران في الصين.
وفي مقابلة مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية، شبه وانغ ما تمثله الطائرة J-35A بدور لاعب الارتكاز في كرة السلة. وقال: «إنها لا تتمتع بقدرة قوية على تسجيل النقاط فحسب، بل يجب عليها أيضاً تقييم الوضع في الملعب بوضوح»، وتنظيم الوضعية القتالية بشكل أكثر فعالية.
وقام بعض المحللين بمقارنة الطائرة J-35A بالطائرة الأمريكية F-35 من حيث أدوارها وقدراتها. وفي حين أن المقاتلة الصينية تحمل بعض التشابه الشكلي مع الطائرة الأمريكية، إلا أن هناك أيضاً اختلافات ملحوظة، مثل تكوين المحرك المزدوج للطائرة J-35A، مقارنة بالطائرة F-35 ذات المحرك الواحد.
ويؤكد جيمس تشار، الأستاذ المساعد في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة، والذي يدرس الجيش الصيني، إن بكين تنتج المزيد من المعدات العسكرية المتقدمة، ولكن «مدى جودة عمل معظم هذه المعدات الجديدة في ساحة المعركة الفعلية هو أمر آخر».
ـ أسلحة الجيل التالي ـ
وكانت الأسلحة الجديدة الأخرى، بما في ذلك طائرة الاستطلاع والهجوم بدون طيار «Jiu Tian» ونظام HQ-19 المضاد للصواريخ الباليستية، بارزة أيضاً في العروض الأرضية في المعرض الذي يقام كل عامين، كأمثلة على البراعة المتنامية للجيش الصيني في الحرب الجوية والدفاع الجوي.
ووصف المحللون الصينيون طائرة بدون طيار «Jiu Tian»، بأنها منصة أسلحة من الجيل التالي، بينما قالوا إن نظام الصواريخ أرض جو HQ-19، قادر على اعتراض الصواريخ الباليستية التقليدية، والصواريخ والمقذوفات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
كما تم عرض أحدث نسخة من الطائرة بدون طيار CH-7، مع تعديلات كبيرة منذ ظهورها لأول مرة في المعرض الجوي لعام 2018. وقال الخبراء إنه بالمقارنة مع أسطول الصين الحالي من قاذفات القنابل H-6 ذات التصميم السوفييتي، قد تكون طائرات CH-7 قادرة على العمل على مسافة أبعد في المحيط الهادئ، وتسمح لبكين بتتبع التحركات العسكرية الأمريكية بدقة أكبر.
وفي الوقت نفسه، عرضت البحرية الصينية نسخة جديدة من مقاتلتها J-15 التي يمكن إطلاقها من حاملات الطائرات باستخدام نظام المنجنيق - وهي القدرة التي أضافتها بكين إلى أحدث حاملاتها. يمكن لهذا الطراز المعروف باسم J-15T أن يحمل المزيد من الأسلحة والوقود مقارنة بالنماذج الأساسية التي تقلع بقوتها الخاصة باستخدام قفزات التزلج.
ـ التعاون الروسي الصيني ـ
وفي معرض تشوهاي، تجلت العلاقات العسكرية الوثيقة بين روسيا والصين، حيث قامت المقاتلة النفاثة الأكثر تقدماً في روسيا، سو-57، بأول عروضها الجوية في الخارج. والتقى أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، الذي يزور الصين هذا الأسبوع، بوزير الخارجية الصيني وانغ يي في بكين.
ـ القلق الأمريكي والغربي ـ
وبينما يرى مراقبون عسكريون أنه مازال هناك الكثير من الأمور غير الواضحة بشأن هذه الأنظمة وقدراتها، فإن المسؤولين الصينيين يقولون إن الأسلحة الجديدة تعكس التقدم الكبير الذي حققته بكين في تطوير قوتها الجوية، وتعزيز قدرتها على الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للصين.
ويشير لايل موريس، زميل بارز في معهد سياسات المجتمع الآسيوي، إن هذه العروض «ستعمل بالتأكيد لتسريع وجهات النظر في الولايات المتحدة والمنطقة بأن الصين تتفوق على الجيوش المنافسة في قدرات القوة الجوية»، وفقا لما نقلت عنه صحيفة وول ستريت جورنال.
وأضاف موريس: «بالنسبة لإدارة ترامب القادمة، يعد هذا تذكيراً آخر بالقدرات الهائلة للقوات الجوية الصينية والتي سيتعين على الولايات المتحدة مواجهتها لسنوات قادمة».
وعادة ما يثير المسؤولون الأمريكيون، مخاوف متزايدة بشأن كيفية تأثير القوة العسكرية المتفوقة لبكين على قدرة واشنطن على الحفاظ على وجود أمني فعال في المحيط الهادئ، لدرجة أن وزير القوات الجوية الأمريكي فرانك كيندال صرح في سبتمبر/أيلول الماضي أن «الصين لا تشكل تهديداً مستقبلياً.. بل تمثل تهديداً اليوم». ثم ألمح إلى أن «بكين تواصل الاستثمار بكثافة في القدرات المصممة خصيصاً لهزيمة قدرات واشنطن وحلفائها في غرب المحيط الهادئ».
ويقول بعض المحللين الغربيين إن التقدم الذي حققته بكين في تكنولوجيا الطائرات، على الرغم من أهميته، لا يقلق مخططي الحرب الأمريكيين بقدر التهديد الذي تشكله الصواريخ الصينية على القواعد الجوية الأمريكية في المنطقة.
وتوضح أوريانا سكايلار ماسترو، الأستاذة المساعدة في جامعة ستانفورد والخبيرة في الجيش الصيني أنه «بالنسبة للولايات المتحدة، ما زلنا أقل قلقاً بشأن القتال الجوي مع الصين، لكن الأمر يتعلق بقدرة طائراتنا على الإقلاع من الأرض»، حيث أن العديد من المطارات في المنطقة معرضة لهجوم صاروخي صيني.
وقبل سنوات أعلن الرئيس الصيني عن مسعاه إلى تحويل الجيش المتكون على النمط السوفييتي إلى قوة قتالية مناسبة للقرن الحادي والعشرين. فيما أظهرت بكين تقدماً من خلال التدريبات القتالية المعقدة بشكل متزايد، مثل المناورات الجوية والبحرية المشتركة، إضافة إلى عمليات الانتشار التي تتجاوز محيط الصين.صحيفة الخليج