قطاع غزة كله من جنوبه إلى شماله يعيش مجاعة حقيقية، وأساسيات تحضير أبسط غذاء لم تعد في متناول اليد.. لا خضار ولا فواكه ولا معلبات، وإن وجدت فهي بأسعار باهظة جداً.. لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بقتلنا بمختلف أنواع الأسلحة بل يريد قتلنا بسلاح الجوع”، بهذا يلخص أبو هادي وهو أب لستة أطفال الواقع المعيشي الكارثي في القطاع.
لسان حال أهالي القطاع الذي يشكو غياب الغذاء ومياه الشرب والكساء، ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها الآلاف مصطفين بطوابير لا تنتهي بانتظار رغيف خبز أو شاحنة مساعدات لا تصل تفند كل ادعاءات الاحتلال التي أطلقها قبل أيام بفتح معبر جديد للسماح بإدخال المساعدات إلى القطاع ضمن ما يسميه "توسيع المنطقة الإنسانية” قبل نهاية مهلة حددتها الولايات المتحدة في رسالة بعثها في الـ 13 من الشهر الماضي وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان أنتوني بلينكن ولويد أوستن إلى مسؤولي الاحتلال، يطلبان فيها زيادة المساعدات الإنسانية مع مهلة 30 يوماً تحت طائلة تعليق جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لـ "إسرائيل”.
أبو هادي الذي هجره الاحتلال قسراً من منزله في مخيم الشاطئ إلى دير البلح وسط القطاع يقول: الاحتلال يتحدث زوراً عن فتح معابر جديدة لكنه حقيقة يغلق معبري رفح وكرم أبو سالم المهيأة بشكل جيد لإدخال البضائع والمساعدات، وعلاوة على ذلك فإن ما يسميه الاحتلال "مناطق إنسانية” ليست سوى حقول للموت يقصف فيها الطيران خيام النازحين ويحيلها جهنما، ويقتل فيها الأطفال والنساء وكبار السن بعد أن عاشوا مسيرة طويلة من النزوح والتعطيش والتجويع.
الحاجة السبعينية أم صلاح تروي فصول المعاناة قائلة: في حياتي كلها لم أر أسوأ من هذه الأيام.. وصلنا إلى مرحلة لا نستطع فيها أن نعد صحن سلطة.. نعيش منذ أكثر من عام حرباً وحشية تستهدف تدمير القطاع بمن فيه، بينما العالم يتفرج علينا ونحن نتعرض لشتى أشكال الموت على يد الاحتلال، ويبدو أنه لا يريد التحرك لإنقاذنا.
أما علاء عواودة الذي هجره الاحتلال من شمال القطاع إلى جنوبه فيؤكد أنه لا فرق بين شمال القطاع وجنوبه، فالاحتلال يحاول الإيهام بأن شمال غزة يختلف عن الجنوب، لكن في الحقيقة هو يحارب القطاع كله بسلاحي التجويع والقصف، مبيناً أن الوضع في الشمال أشد وطأة لكن الجنوب يعاني كثيراً هو الآخر.
سماهر الشنباري من مدينة خان يونس جنوب القطاع أشارت إلى عدم توفر الخضار، وإلى اقتصار الغذاء على معلبات البازلاء والفول التي تسبب الكثير من الأمراض لانتهاء صلاحية بعضها، وتعرضها الطويل لأشعة الشمس على المعابر بانتظار سماح الاحتلال بدخولها إلى القطاع، موضحة أن لديها 3 أطفال أصغرهم يبلغ 7 أعوام تحول جسده إلى هيكل عظمي، ويعاني من سوء التغذية جراء الحصار.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا”، أكد أن "إسرائيل” تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع، حيث يستمر الحصار المفروض على المنطقة منذ 45 يوماً، مبيناً أنه قدم خلال الشهر الماضي 50 طلباً للدخول إلى شمال غزة لكن تم رفض 33 منها مباشرة، وقبول 8 طلبات، غير أن "إسرائيل” وضعت عراقيل كثيرة لمنع الوصول إلى المنطقة.
بدورها أصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الدولية المتعاونة مع الأمم المتحدة إنذاراً أعربت فيه عن قلقها حيال الاحتمال الوشيك والكبير لحدوث المجاعة في قطاع غزة بسبب الوضع المتدهور بسرعة فيه، جراء العدوان والحصار.
مدير تحليل الأمن الغذائي لدى برنامج الأغذية العالمي جان مارتن باور قال: إن هناك احتمالاً قوياً أن تحدث المجاعة أو أنها وشيكة في أجزاء من شمال غزة نتيجة للنزوح على نطاق واسع، وانخفاض التدفقات التجارية والإنسانية، وتدمير البنية الأساسية والمرافق الصحية، والوضع الصعب المتعلق بعمل الأونروا، مشدداً على أن تصريحات لجنة المراجعة تستحق اهتمام المجتمع الدولي وتحركه لمنع حدوث المجاعة.