في ظل النقاشات الدائرة حول تعديلات قانون الإدارة المحلية، ولا سيما ما يتردد حول إمكانية تعيين رؤساء البلديات الكبرى بدل انتخابهم، تابعتُ باهتمام ما نُشر مؤخرًا من نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، والذي أشار إلى أن اكثر من نصف المشاركين يؤيدون فكرة التعيين.
لقد لاحظت أن بعض المقالات والتعليقات الصحفية بدأت تبني على نتائج هذا الاستطلاع لتطرح فكرة أن الحكومة قد تتجه إلى تعيين رؤساء البلديات في مدن كبرى مثل إربد والزرقاء والسلط، وكأن نتائج الاستطلاع تُعبّر عن موقف وطني جامع أو توافق شعبي حقيقي على هذا التوجه.
وهنا أجد من واجبي أن أطرح تساؤلًا واضحًا:
من هي الفئة التي تم استطلاع رأيها؟ ومن مثّل القوى السياسية والاجتماعية في هذا الملف الحيوي؟
فأنا بصفتي أمين عام حزب سياسي فاعل على الساحة الوطنية، لم يُطلب رأيي، ولا اعرف انه تمت مشاركة الأحزاب أو النقابات أو مؤسسات المجتمع المدني في موضوع بهذا الحجم يمسّ جوهر الممارسة الديمقراطية وحق المواطن في المشاركة وصناعة القرار المحلي.
ومن خلال مشاركتي في عدد من الجلسات والحواريات التي نُظّمت لمناقشة قانون الإدارة المحلية الجديد، والتي ضمّت شخصيات سياسية وخبراء وأصحاب رأي، لم ألحظ إطلاقًا أي توجه رسمي أو مجتمعي نحو فكرة التعيين.
بل كان النقاش في معظمه يتمحور حول كيفية تعزيز المشاركة الشعبية، وتوسيع صلاحيات المجالس، وتحسين الأداء البلدي، لا العودة إلى المركزية.
ولذلك فإن الحديث المفاجئ عن فكرة التعيين يثير التساؤل عن مصدره الحقيقي والغاية منه في هذا التوقيت بالذات.
وإذا كان الاستطلاع هو المعيار لتقرير شكل المشاركة الديمقراطية، فربما لو أُجري استطلاع مشابه على أعضاء مجلس النواب أنفسهم لخرجت نتيجة تقول إنه يمكن تعيين مجلس النواب أيضًا بدل انتخابه!
وهنا تكمن خطورة الفكرة، إذ إن استخدام الاستطلاعات لتبرير تقليص صلاحيات المواطن يفتح الباب أمام تراجع كبير في مسار الديمقراطية الأردنية.
إن اعتماد استطلاعات رأي محدودة التمثيل لتبرير توجهات سياسية مسبقة يُضعف الثقة بالإصلاح ويكرّس المركزية التي ناضل الأردنيون طويلاً لتجاوزها.
فالإدارة المحلية وُجدت لتكون أداة لتمكين المواطن، لا لتجريده من حقه في اختيار من يقود بلديته.
إن التعيين لأي منصب بلدي قيادي، خصوصًا في المدن الكبرى، يمثل تراجعًا عن مبدأ اللامركزية والديمقراطية المحلية، ويعيدنا إلى منطق الوصاية الإدارية بدل المشاركة الشعبية.
ونحن في حزب القدوة الأردني نرى أن الإصلاح الحقيقي لا يكون بإلغاء الانتخابات، بل بتطوير أدواتها وضمان نزاهتها ورفع كفاءة المجالس المنتخبة.
من هذا المنطلق، فإنني أؤكد موقفي بوضوح:
أنا مع الإبقاء على انتخاب رؤساء البلديات من قِبل المواطنين مباشرة، بحيث يُنتخب رئيس البلدية في ورقة مستقلة، وأعضاء المجلس البلدي في ورقة أخرى.
فهذا الإجراء يعزز الشفافية، ويمنح الناخب حرية الاختيار، ويحدّ من التداخل بين القوائم والتحالفات التي كثيرًا ما أربكت العملية الانتخابية السابقة.
وفي الوقت نفسه، أؤكد على ضرورة أن يكون للأحزاب السياسية دور فاعل ومحوري في عملية الترشيح والانتخاب، بحيث تشارك ببرامج واضحة ورؤى تنموية تخدم المجتمعات المحلية، وتتحمل مسؤولية الأداء أمام الناخبين.
إن تفعيل الدور الحزبي في العمل البلدي هو ما يضمن الاستقرار والاستمرارية، ويحوّل البلديات من كيانات خدماتية محدودة إلى مؤسسات سياسية وتنموية متكاملة.
إننا نؤمن بأن الطريق نحو بلديات قوية وفاعلة لا يمر عبر التعيين، بل عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتمكين المواطن من محاسبة من ينتخبه، وتحويل المجالس المحلية إلى مؤسسات تنموية منتجة تعمل بشفافية وكفاءة لخدمة الناس.
وعليه، فإن أي خطوة نحو تقليص الدور الانتخابي للمواطن تحت أي مبرر — سواء كان استطلاعًا أو تقييمًا لأداء البلديات — ستُعدّ خطوة إلى الوراء في مسار الإصلاح السياسي والإداري الذي نريده جميعًا منطلقًا من الإرادة الشعبية لا من القرار الإداري.