منذ أن عرف التاريخ طريقه إلى هذه الأرض المباركه والأردن يقف شامخاً كأنه صخرة على كتف الزمن . لم تصنعه الصدفة ولا منحته الجغرافيا مكانته بل صنعه أبناؤه من لحمهم ودمهم وإيمانهم العميق بأن الكرامة لا تشترى وأن الأرض لا تعيش إلا بحراسها . من بين بيوت الطين وخيام البادية ومن قلب الجبال والسهول خرجت العشائر الأردنية لتكون النبض الأول للوطن والعنوان الأبهى للشرف والوفاء . كانت وما زالت تمثل الضمير الحي للأمة والدرع الذي يقيها كل عاصفة .
من جبال عجلون المكللة بالضباب إلى سهول البلقاء الخصبة ومن كرك البطولة إلى معان المجد ومن ذيبان وبني حميدة إلى الزرقاء والبادية الشمالية والجنوبية ارتسمت ملامح وطن واحد لا تفرقه المسافات ولا تنال منه العواصف . كانت العشائر الأردنية تتقاسم الخبز والملح والمصير وتحمل في فطرتها معنى الشرف والإيثار . هناك في مضاربهم تولد القصص التي صاغت وجدان الأمة الأردنية وأرست مفهوم النخوة الذي صار جزءاً من هوية الدولة الحديثة .
حين أشرقت شمس الثورة العربية الكبرى وارتفع نداء الشريف الحسين بن علي من مكة إلى عمان ، لم يتردد الأردنيون في تلبية النداء . خرجوا فرساناً على صهوات خيولهم يؤمنون أن الحرية لا تهدى بل تنتزع وأن العروبة ليست شعاراً بل فعل وفداء ومع قدوم الأمير عبدالله بن الحسين إلى معان ثم عمان وجد في العشائر الأردنية خير سند ورفيق درب . بايعوه على السمع والطاعة وعلى أن يكون الوطن بيتاً جامعاً لكل الأحرار ومن تلك البيعة الاولى تولد فجر الدولة الأردنية الحديثة التي شيدت على دماء الرجال وعرق الأوفياء .
لم تكن العشائر الأردنية يوما حاجزاً بين المواطن والدولة بل كانت الجسر الذي عبرت عليه شرعية الحكم إلى قلوب الناس . كان الشيخ والمقاتل والجندي والمعلم أبناء بيت واحد يجتمعون على كلمة الوطن . من صفوفهم خرج الضباط الذين صنعوا أمجاد الجيش العربي والمعلمون الذين أناروا العقول والمزارعون الذين عمروا الأرض والمهندسون الذين رفعوا المدن من بين الصخور . تلك هي روح الأردن التي لا تعرف الكلل ولا تعرف سوى الإخلاص طريقاً .
ومع مرور العقود ظل الأردن يواجه التحديات بعزيمة لا تنكسر وتعاقبت الأزمات والحروب حوله لكنه بقي واحة استقرار في محيط مضطرب لأن عماده شعب وفي وقيادة هاشمية حكيمة ، فحين هبت رياح المعارك على الحدود كانت العشائر الأردنية أول من تقدم الصفوف وحين احتاج الوطن إلى من يبني اقتصاده ويصون أمنه كانت اليد العاملة من بيوت هؤلاء الأوفياء . لم يفرقهم أصل ولا فرع بل جمعهم معنى واحد هو الأردن أولاً ودائماً .
تجلت البطولة بأبهى صورها في معركة الكرامة حين امتزج الدم الأردني بتراب الأرض ليعلن أن الكرامة ليست كلمة بل عقيدة راسخة . من كل عشيرة خرج شهيد ومن كل بيت خرج بطل ومن كل أم خرجت دعوة بالنصر . بعد تلك المعركة أدرك العالم أن الأردن الصغير بحجمه كبير برجاله وأن العشائر ليست مجرد تركيبة اجتماعية بل طاقة وطنية تفيض بالعزة والإيمان .
وفي عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين استمر النهج ذاته . ملك يقود وشعب يسير خلفه بثقة ويقين بأن الأردن قدر لا يبدل ومصير لا يفارق ، فرسم جلالته صورة الدولة الحديثة التي تجمع بين الأصالة والتطور وبين الحكمة والشجاعة . في عهده صارت العشائر الأردنية جزءاً من منظومة الدولة المدنية الحديثة دون أن تفقد روحها الأصيلة . فهي ما تزال تحمل السيف عند الحاجة وتبني المعمل والمدرسة والمستشفى حين يدعو الواجب .
وخلفه سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله يجسد حلم الجيل الجديد الذي يواصل المسيرة بالعزيمة ذاتها . يمضي بين أبناء العشائر كأخ لهم لا كحاكم فوقهم يتحدث بلغتهم ويستمع لنبضهم في كل محافظة وقرية . في عيونه صورة الأردن الذي نحلم به دولة قوية عادلة مزدهرة تسندها جذور من وفاء العشائر التي لم تخذل وطنها يوماً .
اليوم يقف الأردن على عتبة التاريخ مزهواً بما حققه من تماسك ووحدة . لا تفرق أبناءه أصولهم ولا تنال من ولائهم اختلافاتهم لأنهم يعلمون أن العشيرة والدولة جناحان لطائر واحد لا يطير أحدهما دون الآخر . الأردن ليس مجرد جغرافيا بل هو قصة من الإيمان والتضحية والوفاء خطتها العشائر الأردنية على مر السنين بمداد العز .
وهكذا تبقى العلاقة بين العشائر والدولة الأردنية علاقة الدم بالتاريخ وعلاقة الأرض بالسماء . لا عقداً سياسياً ولا مصلحة عابرة بل عهد وفاء ممتد من الثورة إلى اليوم ومن المهد إلى اللحد . فإذا تكلمت العشائر أصغى المجد وإذا نادى الوطن لبى الجميع لأنهم أبناء راية واحدة اسمها الأردن التي ما انكسرت يوماً ولن تنكسر ما دام في أبنائها نفس حي ينبض بالعزة والإباء .
حفظ الله الأردن وقيادته الهاشمية وشعبه وأرضه وعشائره وجيشه العربي المصطفوي وأجهزته الأمنية .