العودات يكتب .. "لا أخاف إلا الله”.. رسالة ملكية جسدت عمق العلاقة بين
القائد وشعبه
نيروز - بقلم الدكتور عامر العودات – رئيس
بلدية السرو الأسبق
في كل عام، يشكل خطاب العرش السامي في افتتاح
الدورة العادية لمجلس الأمة الأردني لحظة دستوريةً باذخة المعاني، ومشهدا وطنيا يعكس
صلابة الدولة الأردنية ورسوخ مؤسساتها، وهذا الخطاب الملكي يعد وثيقة قيادة ورؤية وموقف
، يؤكد فيها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أن الأردن يسير بثقة وثبات على
نهج الدولة الدستورية الراسخة، دولة القانون والمؤسسات، دولة الإنجاز والمواطنة والكرامة.
وفي خطاب العرش الأخير، تجلت لحظة إنسانية
نادرة، حين خاطب جلالته الأردنيين بصدق عميق وبوح أبوي مؤثر، قائلاً: "يتساءل بعضكم كيف يشعر الملك؟ أيقلق الملك؟
نعم، يقلق الملك، لكن لا يخاف إلا الله... ولا يهاب شيئاً وفي ظهره أردني.”
كانت هذه العبارة التي تحولت إلى أيقونة وجدانية
في الخطاب بمثابة نبض ملكيّ صادق وصل إلى قلوب الأردنيين جميعا، فقد رأوا في تلك الكلمات
ملكا إنسانا يشاركهم الهموم ذاتها، ويشعر بما يشعرون به، ويعيش قلقهم على وطنهم ومستقبل
أبنائهم.
حين قال جلالته: "نعم، يقلق الملك”، لم يكن
ذلك اعترافا بضعف، بل تعبيرا عن أرق المسؤولية وقلق الراعي على رعيته، فالقلق في فلسفة
القيادة الهاشمية هو حافز للبناء، ودافع للتخطيط والعمل، وليس تراجعا أو خشية. ثم جاء
الاستدراك العميق "لكن لا يخاف إلا الله”، ليعيد البوصلة إلى جوهر العقيدة والإيمان،
وليؤكد أن قيادة الأردن تستمد قوتها من الثقة بالله ومن حب شعبها.
بهذا المعنى، رسم الملك عبدالله الثاني لوحة
القيادة المطمئنة رغم التحديات، القلقة على الوطن ولكن المؤمنة بقدرته على النهوض دائما
، إنها معادلة من ذهب: قلق المحب لا خوف الضعيف، وثقة المؤمن لا تردد المتردد.
لقد اختصر جلالته في تلك الجملة القصيرة عمق
العلاقة بين القائد وشعبه، علاقة أساسها الثقة، والتلاحم، والاحترام المتبادل، فحين
يقول الملك إنه "يقلق" مثلهم، فهو يزيل الحواجز التقليدية بين الحاكم والمحكوم،
ويجعل من القيادة شراكة وجدانية ومسؤولية مشتركة، ولذلك، لم تكن تلك العبارة خطاباً
سياسياً فحسب، بل كانت وثيقة حبٍ متبادل بين قائدٍ يرى في شعبه السند الحقيقي، وشعب
يرى في قائده رمزا للأمان والعزم والكرامة.
ولم يغب عن الخطاب، كما هو دأب جلالته، الثابت
الأردني الأصيل في نصرة القضية الفلسطينية، التي كانت وستبقى في صميم وجدان الملك والشعب
الأردني على حد سواء، فقد أكد جلالته أن فلسطين هي "القضية المركزية”، وأن الأردن سيظل
صوتها الصادق في العالم، مدافعا عن القدس الشريف ومقدساتها، متمسكا بحل عادل يضمن حق
الفلسطينيين في دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.
إن عبارة "ولا يهاب شيئا وفي ظهره أردني”
تختصر حكاية وطن بأكمله، وطن لم تنحن جباه أبنائه يوما ولم يعرف الخوف طريقا إلى قلوبهم.
فالأردني الذي يقف خلف مليكه، هو حصن الأردن المنيع وسر بقائه شامخا رغم كل الصعاب.
باسم كل من يؤمن بالأردن وطنا وقيادة، نقولها
بصدقٍ وولاء: نحن خلفك يا سيدي، نستلهم منك الإيمان بالمستقبل،
والثقة بالإنسان الأردني، والإصرار على أن هذا الوطن يستحق أن نعمل لأجله بكل ما أوتينا
من عزم وإخلاص. سيبقى الملك عبدالله الثاني قائدا لا يخاف
إلا الله، وشعبه لا يخاف إلا عليه. وسيظل الأردن بإذن الله كما أراده قائده،
وطنا آمنا، مزدهرا، عصيا على الانكسار، مفعما بالإيمان والعزة والرجولة.