في بلدٍ لا يملك ترف المياه، يصبح الحديث عن كل قطرة مسؤولية وطنية.
الأردن اليوم يعيش مرحلة دقيقة من تذبذب الهطول المطري، فالأمطار تأتي متقطعة ومحدودة، ولكنها حين تنهمر، تُغادر بسرعة نحو الأودية والصحارى دون أن نحتفظ بها كما يجب.
ورغم أن العمل جارٍ على مشاريع السدود الترابية في مناطق عدة من المملكة، إلا أن الحاجة ما زالت قائمة لتوسيعها وتطويرها، فهذه المشاريع البسيطة في تكلفتها، العظيمة في أثرها، هي المفتاح الذهبي لإدارة موسم المطر بذكاء واقعي.
السدود الترابية ليست خيارًا هندسيًا فحسب، بل فكرة تنموية متكاملة تعيد الحياة للأرض والمزارع والريف، وتحوّل مشهد المطر من حدثٍ عابر إلى مشروع إنتاج مستدام.
كل حفيرة تُقام في وادٍ أو منخفض، هي خزان طبيعي يمنح الزراعة فرصة البقاء، ويغذي المياه الجوفية التي باتت تتراجع عامًا بعد عام.
الجهود المبذولة من مختلف الجهات مشهودة، لكن نجاح هذه المشاريع يحتاج إلى روح تكامل مجتمعي، فالمزارع والمواطن والبلدية شركاء في حماية السدود وصيانتها، وضمان الاستفادة منها بالشكل الأمثل.
الجميل في السدود الترابية أنها لا تنتظر ميزانيات هائلة، بل تحتاج إلى تخطيطٍ محكم وإدارةٍ ميدانية سريعة، لأن المطر لا ينتظر التأجيل، والمياه لا تعرف الروتين الإداري.
إنها مشاريع يمكن تنفيذها بسرعة في المناطق التي ثبتت صلاحيتها عبر الدراسات السابقة، لتصبح نموذجًا عمليًا في التنمية المائية المستدامة.
حين يتحول الوعي المائي إلى ثقافة، سنبدأ بجمع المطر كما نجمع الذهب، وسنرى في كل سحابة فرصة لا تهدر.
فالبلد الذي يعرف كيف يحتفظ بمياهه، هو بلد يعرف كيف يصنع مستقبله.