داود حميدان -في مشهد يجمع عبق التراث بقدسية العمل، يتجدّد موسم قطاف الزيتون ليكون نعمةً من نعم الله التي يعتز بها الأردنيون كل عام. وفي هذا اليوم المبارك، الجمعة، تواجدنا في معصرة أبناء السعدون في محافظة إربد، حيث لمسنا تعاونهم الدائم وحسن استقبالهم وحرصهم على جودة ما يُقدَّم من زيت يباهي بفخر أنه "ذهبٌ أخضر”.
تعمّ الفرحة وجوه الحاضرين، وتسبق البركة قلوبهم قبل أيديهم، فشجرة الزيتون ليست مجرد نبات؛ إنها ذاكرة وطنية ورمز للصمود والجذور العميقة. فقد عرفها الإنسان منذ آلاف السنين، وارتبطت بالحضارات التي سكنت حوض البحر المتوسط، وظلت شاهدة على تاريخ الإنسان وارتباطه بالأرض. وقد اكتسبت مكانتها الرفيعة من ذكرها في الكتب السماوية، لما تحمله من قيمة غذائية وصحية واقتصادية فريدة.
ويُعدّ زيت الزيتون كنزاً غذائياً حقيقياً، غنيّاً بالدهون الأحادية غير المشبعة ومضادات الأكسدة والفيتامينات الأساسية مثل (E) و(K)، ما يجعله واحداً من أكثر الزيوت فائدة لصحة الإنسان. وتشير الأبحاث الحديثة إلى دوره في تعزيز مناعة الجسم، وحماية القلب، ودعم الصحة العامة بأسلوب طبيعي وآمن.
ويبقى الزيتون أكبر من كونه محصولاً زراعياً؛ فهو ثقافة وهوية وانتماء، وموسم القطاف فيه روحٌ اجتماعية تجمع الناس على الخير، رغم تطور التكنولوجيا ووسائل العصر. إن الاستثمار في شجرة الزيتون هو استثمار في الإنسان والأرض والمستقبل، ورسالة متجددة بأن البركة ما زالت تنبت من جذورٍ ضاربة في عمق هذا الوطن.