شهدت محادثات جنيف حول السلام في الأيام الأخيرة تطوراً ملحوظاً، حيث أبدت الأطراف الغربية المشاركة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أوروبية مؤثرة، تفاؤلاً بما تم التوصل إليه من صياغة محدثة لمبادرة إنهاء الصراع. وتزامن هذا التقدم مع تصريحات تؤكد أن النقاشات كانت بناءة ومكثفة، بينما ظل الموقف الروسي ثابتاً بعدم تلقيه أي إشعار رسمي حول النتائج، مما يعكس استمرار الهوة بين مواقف الأطراف المعنية بالنزاع.
تعديل مقترح السلام وتضمين الملاحظات الأوكرانية
عملت الوفود المشاركة في محادثات جنيف حول السلام على مراجعة المقترح الأول الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث استهدفت التعديلات دمج العناصر الأساسية التي تطالب بها كييف منذ بداية النزاع. وشملت المراجعات إعادة ترتيب البنود المتعلقة بالانسحاب وضبط الحدود والتعويضات، بما ينسجم مع الرؤية الأوكرانية لمسار التسوية. ويؤكد المطلعون على تفاصيل الجلسات أن عملية إعادة الصياغة جاءت نتيجة ساعات طويلة من النقاشات الهادئة التي ركزت على تعزيز فرص الوصول لاتفاق قابل للتنفيذ.
تفاؤل أمريكي وأوروبي وتصنيف النتائج بالهائلة والبناءة
وصفت الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، نتائج محادثات جنيف حول السلام بأنها تقدم "هائل" يضع الأساس لمرحلة جديدة من التنسيق الغربي بشأن الأزمة. كما أشادت واشنطن وكييف بطبيعة الجلسات التي اتسمت بروح عملية، معتبرة أن التقارب في وجهات النظر يعزز احتمالات الوصول لاتفاق متكامل خلال الفترة المقبلة. ويرى محللون أن هذا التفاهم بين الشركاء الغربيين خطوة محورية في مسار التفاوض، خصوصاً في ظل الحاجة إلى رؤية موحدة تتعامل مع القضايا الأمنية والاقتصادية الشائكة.
ضمانات أمنية مستوحاة من ميثاق الناتو
تضمنت المسودة التي جرى التباحث حولها تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا مستلهمة من المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو. وتهدف هذه الضمانات إلى حماية كييف من أي اعتداءات مستقبلية قد تنشأ عن استمرار التوترات مع روسيا. ورغم أن هذه النقطة تُعد من أكثر الملفات حساسية في محادثات جنيف حول السلام، فإن الأطراف المشاركة وافقت على صياغة إطار يسمح بتقديم دعم دفاعي طويل المدى يضمن استقرار أوكرانيا ضمن منظومة الأمن الأوروبي.
التعويضات وإعادة الإعمار محور خلاف متجدد
حمّل المقترح الأوروبي الجديد روسيا مسؤولية دفع تكاليف الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية الأوكرانية، من خلال الاستفادة من الأصول السيادية الروسية المجمدة في أوروبا. ويعد بند التعويضات من أبرز النقاط التي لاقت قبولاً أوكرانياً واسعاً، لكنه ما يزال يمثل إشكالية قانونية ودبلوماسية في ظل رفض موسكو الاعتراف به. ويؤكد خبراء أن دمجه في وثيقة محادثات جنيف حول السلام قد يعقّد فرص التقارب ما لم يتم التوصل إلى صيغة وسطية مقبولة.
مواقف كييف وموسكو وتباين الرؤى
رحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالتقدم المحرز، مشيراً إلى أن الطريق نحو إنهاء الحرب يتطلب "جهوداً أكبر بكثير" من كل الأطراف. في المقابل، أعلن الكرملين عبر المتحدث باسمه دميتري بيسكوف أنه لم يتلق أي معلومات رسمية حول مجريات محادثات جنيف حول السلام أو نتائجها، وهو ما يعكس استمرار غياب موسكو عن المسار الدبلوماسي المباشر. ويرجح مراقبون أن هذا الغياب يشكل عقبة مركزية أمام الوصول لاتفاق شامل، رغم التقارب الملحوظ بين الأطراف الغربية.
توقعات المسار القادم
تشير المؤشرات الأولية إلى أن جنيف باتت محطة مؤثرة في صياغة رؤية غربية مشتركة للسلام، إلا أن نجاح المبادرة ما يزال مرهوناً بمشاركة روسيا في أي ترتيبات مستقبلية. وتستعد الوفود لعقد جولات جديدة من النقاشات خلال الأسابيع المقبلة بهدف تطوير وثيقة نهائية يمكن البناء عليها لإطلاق مفاوضات علنية.