في زمنٍ اختلطت فيه المعايير، بات بعض الناس يربطون قيمة الإنسان بما يملك لا بما يحمل من مبادئ. لكن الحقيقة الثابتة التي لا تتغيّر هي أن الدنيا مقامات؛ مقاماتٌ لا تُقاس بالمال ولا بالمناصب، بل تُقاس بميزانٍ أدقّ: ميزان القيم والأخلاق.
فليس كل من حاز شهادة عالية يمتلك سلوكًا راقيًا، وليس كل من قلّ تعليمه فقيرًا في أخلاقه أو احترامه. كم من متعلمٍ أساء، وكم من بسيطٍ في تعليمه أدهشك بثقافته الأخلاقية ورُقيّ تعامله.
الكبار الذين نتحدث عنهم هنا ليسوا بالضرورة كبار السن فقط، بل كل صاحب قيمة، وتجربة، واحترام، ونقاء نفس. كبارٌ لأنهم لم يُؤذوا أحدًا، كبارٌ لأن قلوبهم بيضاء، ولأنهم يمرّون في الحياة بوقارٍ لا يُشبه ضجيج البعض.
لذلك نقول: تأدّبوا في حضرة الكبار.
تأدّبوا لأن الاحترام قيمة لا تُشترى.
تأدّبوا لأن الأخلاق لا تُمنَح بشهادة جامعية، بل تُزرع في البيوت وتكبر مع التربية.
تأدّبوا لأن الكلمة الطيبة، والنبرة الهادئة، وطريقة الجلوس والحديث، كلها تعكس مقدار ما نحمله من تهذيب.
نعيش اليوم في عالمٍ سريع، يتحدّث فيه البعض بكبرياء فارغ، ويعتقد آخرون أن المال أو المناصب يفتح لهم الأبواب جميعها. لكن الحقيقة أن الناس لا تهاب كل هذه بل تهاب الأخلاق. ولا تُحترَم المظاهر مثلما تُحترم القيم.
فإذا اجتمعت المعرفة مع الأخلاق أصبح صاحبها منارة، وإذا انفصلتا بقيت المعرفة شكلًا لا روح له.
وأجمل ما قد يقال في هذا السياق:
ارفعوا مقاماتكم بالأخلاق،
وازنوا الناس بقلوبهم، لا بشهاداتهم.
واحفظوا للكبار مكانتهم، لأن مكانتهم حقّ لا هِبة.
وفي النهاية، لن يبقى في ذاكرة الناس إلا حُسن التعامل.