تشهد العديد من المناطق والمحافظات خلال فصل الشتاء هطول أمطار غزيرة، وتقلبات جوية حادة، تؤدي إلى أضرار ملحوظة تطال المركبات، والآليات، والأشجار، والمنازل. وتظهر هذه الأضرار بوضوح مع كل منخفض جوي؛ حيث تتجمع المياه في الشوارع، وتبرز مشكلات البنية التحتية، فيتحمل المواطنون تبعات مادية مباشرة. وعلى الرغم من أن الأمطار تعد نعمة ضرورية، إلا أن غياب الاستعداد المسبق، وسوء التخطيط العمراني، يحولانها في بعض الأحيان إلى عوامل خطر تتطلب معالجة قانونية وتنظيمية جدية.
وتتعرض المركبات والآليات خلال الأحوال الجوية الشديدة لأضرار كبيرة؛ تبدأ من تعطل المحركات والأنظمة الكهربائية نتيجة غمرها بالمياه، وقد تصل لتلف كامل للمركبات عند تعرضها للسيول. وفي الجانب القانوني، تعد هذه الأضرار من الوقائع التي تستوجب تحديد المسؤوليات، لا سيما إذا كان سببها إهمال واضح في صيانة الطرق، أو ترك مصارف المياه دون تنظيف. ففي مثل هذه الحالات، قد تنشأ مسؤولية تقصيرية على الجهة التي تسبب إهمالها في وقوع الضرر، شريطة توافر أركان المسؤولية المدنية، وهي: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية.
كما تتكرر الأضرار على الأشجار التي تتساقط خلال العواصف؛ نتيجة ضعف الصيانة، أو زراعتها في مواقع غير مناسبة، أو تركها دون تقليم. وعندما تسقط الأشجار على مركبات أو ممتلكات خاصة، يثور التساؤل القانوني حول الجهة المسؤولة: هل هو صاحب العقار؟ أم الجهة البلدية المختصة؟ ويحدد ذلك بناء على مدى التزام كل طرف بواجب العناية والصيانة. فإذا ثبت أن سقوط الشجرة وقع نتيجة إهمال في التقليم، أو عدم إزالة الأشجار الآيلة للسقوط، فإن المسؤولية قد تسند للجهة المقصرة، وفقاً لقواعد المسؤولية المدنية.
أيضاً لا تسلم المنازل من الأضرار؛ إذ تتسبب الأمطار الغزيرة في تسربات مائية تؤثر على الجدران والأسقف والبنية الإنشائية. ويترتب على ذلك آثار قانونية، خصوصاً إذا كان الضرر ناتج عن عيب في البناء، أو غياب شروط العزل المائي. وفي مثل هذه الحالات، يجوز مساءلة المقاول، أو المطور العقاري، استناداً للضمانات القانونية المنصوص عليها في التشريعات الخاصة بالبناء والإنشاءات، والتي تحمل المنفذ مسؤولية العيوب الخفية، أو الخلل الذي يؤثر على متانة البناء خلال مدة الضمان.
وفي مواجهة هذه الأضرار، يتجلى دور الحكومة بوصفها عنصر أساسي في الحد من نتائج الأحوال الجوية؛ وذلك من خلال مسؤوليتها القانونية عن صيانة البنية التحتية، وتنظيف العبارات، وتدعيم الجسور، وتقليم الأشجار في المناطق العامة. ويعد التقصير في هذه الواجبات سبباً مباشراً لنشوء مسؤولية الدولة عن الأضرار، وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء في المسؤولية الإدارية. كما ويقع على الحكومة واجب تنظيمي يتمثل في إعداد خطط الاستجابة للمنخفضات الجوية، وإصدار التحذيرات، وتوعية المواطنين بطرق الوقاية؛ وهي إجراءات نصت عليها التشريعات المتعلقة بإدارة الأزمات والكوارث.
ومن منظور قانوني أشمل، فإن معالجة آثار الأحوال الجوية لا تقتصر على تحديد المسؤوليات بعد وقوع الضرر؛ بل تشمل كذلك تعزيز التشريعات الوقائية، وتطوير الأنظمة المتعلقة بالبناء والسلامة العامة، وتحديث المعايير الفنية للبنية التحتية، بما يقلل من احتمالية وقوع الضرر مستقبلًا. فالقانون يسعى إلى الحماية قبل التعويض، وإلى الوقاية قبل المساءلة.
وفي النهاية، تعد الأحوال الجوية القاسية اختباراً لجاهزية المجتمع والدولة قانونياً وفنياً. فحين يلتزم المواطن بواجبات السلامة، وتنهض الجهات المختصة بمسؤولياتها القانونية، وتطبق قواعد المساءلة عند التقصير، يصبح بالإمكان الحد من الأضرار، والانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الوقاية والتخطيط. وهكذا يتحول فصل الشتاء إلى موسم حياة ونماء، بدلاً من أن يكون مصدراً للخسائر وتعدد المسؤوليات القانونية.