عند سماعنا تشخيص مرض"الباركنسون/الشلل الرعاش”، يتبادر إلى الذهن فوراً أنه حكم بالسجن المؤبد على اجسادنا، وعلى حياتنا،، لكن هل فكرنا يوماً أن هذا المرض رغم صعوبته، قد يحمل في طياته رسالة !! وفرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا !! قد يبدو الأمر غريباً، لكن مرض الباركنسون يمكن أن يكون صديقاً لا عدواً إذا غيّرنا طريقة نظرتنا إليه؛ فالعدو يهاجمك، لكن الصديق يلفت نظرك، فالباركنسون لا يطرق الأبواب بعنف، بل يتسلل بهدوء، ويهمس لجسدك بأن شيئاً ما يحتاج إلى اهتمام فيرتجف الجسد ويتباطأ المشي، وتختل توازنات كانت بديهية.. لكنه لا يسلبك الحياة، بل يُجبرك على أن تعيشها بوعيٍ أكبر، وبـبطء محسوب، ويجعلك تُقدّر كل حركة، وكل خطوة، وكل لحظة.
وإن الباركنسون يُعلّمك الصبر..فربما لا يكون الشفاء الكامل ممكناً، ولكن التعايش ممكن، بل وأكثر من ذلك.. قد يكون الباركنسون بوابة للسلام الداخلي؛ فالصبر الذي يولده ليس ضعفاً، بل هو قوة خفية تكشف لك عن مكامن صبرٍ لم تكن تعلم بوجوده في داخلك.
كما أن الباركنسون رفيق يفرض عليك أسلوب حياة صحي فهو لا يمنحك الخيار: فإن أردت أن تتوازن؛ فعليك أن تتحرك، وأن تراقب غذاءك، وأن تنام جيداً، وأن تهتم بنفسك أكثر من أي وقت مضى…وكأن المرض يقول لك: "اعتنِ بجسدك كما لو كان طفلك”.
كما أنّ الباركنسون يعطيك مساحة للتأمل والامتنان. نعم، قد تتباطأ خطواتك ولكن قلبك سيبدأ بالركض نحو أشياء لم تكن تراها من قبل وستبدأ تلاحظ قيمة النَفَس وقيمة اليد التي لا ترتجف، والابتسامة التي تُرسم دون تعب. وهذا الوعي لا يأتي إلا من رفيقٍ مثابر اسمه "الباركنسون”.
أتفق مع الجميع بأنه ليس من السهل أن تُصادق الألم وأعلم أن الألم ليس صديقاً مريحاً، لكنه صديق صادق لا يخدعك ولا يجاملك ويضعك أمام حقيقتك، ويعريك من الزيف، ومن هنا، تبدأ الرحلة نحو التصالح مع الذات.. والرضا بالقليل الذي هو في الحقيقة الكثير.
في الختام فإن الباركنسون ليس النهاية.. بل هو بداية لحياة مختلفة فيها تحديات، نعم، لكن فيها أيضاً فرصة للتأمل والنضوج، ولإعادة اكتشاف الذات حين تتوقف عن مقاومته كعدو، وتبدأ بمصادقته كـمعلم، …حينها فقط يتحول الألم إلى قوة، والمرض إلى بداية جديدة لحياةٍ يُعاد فيها تعريف الصحة، لا على أنها غياب المرض بل حضور الوعي والسلام والامتنان.