عبيدات يكتب .. التعميم الإداري رسالة تنظيم أم أزمة تواصل؟ كيف يقرأ
التعميم خارج سياقه؟
نيروز – بقلم الكاتب والإعلامي محمد محسن عبيدات
في ظل الجدل الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي
على صفحات عدد من الزملاء الإعلاميين والصحفيين ، أعاد التعميم الرسمي الصادر عن إحدى
الجامعات الوطنية إلى الواجهة النقاش حول مفهوم التعميم ودوره في الحياة المؤسسية،
وحدوده الفاصلة بين التنظيم المشروع وحرية التعبير. فقد تحول التعميم، الذي يفترض أن
يكون أداة إدارية وقانونية، إلى مادة للنقاش العام، عكست تباينا واضحا في قراءات الرأي
العام ما بين مؤيد يرى فيه ضرورة، وناقد يعتبره أسلوبا تقليديا لا يواكب روح العصر
الرقمي وحرية الانسان.
من حيث المبدأ، يعد التعميم وسيلة تنظيمية
تهدف إلى ضبط السلوك العام داخل المؤسسات، وتوضيح المرجعيات القانونية، وحماية السمعة
المؤسسية من التشويه أو الاستهداف غير القائم على معلومات دقيقة، وفي زمن تتسارع فيه
الأخبار وسهولة الحصول على المعلومات، وتنتشر فيه الشائعات بسرعة تفوق قدرة المؤسسات
على الرد، يصبح التعميم بمثابة رسالة تأكيد على أن هناك قوانين ناظمة، وأن القنوات
الرسمية هي المصدر الأوثق للمعلومة، كما أنه يعكس حرص الإدارة على حماية العاملين والطلبة
من الوقوع في مخالفات قانونية قد تترتب عليها مساءلات غير محسوبة او عقوبات .
غير أن هذا الجانب الإيجابي لا يلغي ما أفرزته
طريقة التلقي العام للتعميم من انتقادات، إذ رأى عدد من المواطنين أن لغته جاءت جافة
ومباشرة، فحملت بدلالات تتجاوز مقصدها الأصلي، وفي بيئة رقمية اعتادت الخطاب السريع
والمباشر، قد تفهم الصياغة القانونية الصارمة على أنها تهديد أو تضييق، لا تذكير أو
توجيه، خاصة حين يغيب الشرح التفصيلي أو السياق الذي يوضح أسباب صدور التعميم وتوقيته.
لقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تحويل
التعميم من وثيقة إدارية داخلية إلى قضية رأي عام، تخضع للتفسير والتأويل والتعليق،
الأمر الذي كشف عن فجوة واضحة بين الخطاب المؤسسي التقليدي وتوقعات الجمهور الرقمي،
فالجمهور اليوم لا يرفض وجود القانون أو التنظيم، لكنه يطالب بلغة أكثر تواصلا، وبشرح
يسبق التحذير، وبإشراك الرأي العام في فهم الغايات لا الاكتفاء بعرض النصوص.
ومن هنا، فإن الإشكالية الحقيقية لا تكمن
في التعميم بحد ذاته، بل في آلية تقديمه والتفاعل معه، فحين يطرح التعميم بمعزل عن
خطاب توضيحي مواز، يصبح عرضة للاجتزاء وسوء الفهم، وتتحول نواياه التنظيمية إلى مادة
للجدل والتشكيك، أما حين يقدم ضمن رؤية تواصلية شاملة، فإنه يتحول إلى أداة وعي لا
أداة ردع.
في المحصلة، يبقى التعميم ضرورة لا غنى عنها
في العمل المؤسسي، لكنه في العصر الرقمي يحتاج إلى إعادة تعريف في الشكل لا في المضمون،
بحيث يجمع بين الصرامة القانونية والبعد الإنساني، وبين حفظ النظام وصون حرية الرأي
المسؤول، فالتوازن بين القانون والتواصل هو الكفيل بتحقيق الغاية المنشودة، والحفاظ
على الثقة المتبادلة بين المؤسسة وجمهورها، بعيدا عن التصعيد وسوء الفهم.