في ظل التسارع الكبير الذي يشهده العالم بفعل العولمة، لم تعد المجتمعات بمنأى عن التأثر بالثقافات الأخرى، ويأتي المجتمع الأردني في قلب هذا التحول، حيث تتقاطع الأصالة المتجذّرة في العادات والتقاليد مع متغيرات العصر الحديث ووسائل الاتصال العالمية.
لطالما شكّلت العادات والتقاليد الأردنية ركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية، بدءًا من قيم الكرم والضيافة، واحترام الكبير، والتكافل الاجتماعي، وصولًا إلى اللباس الشعبي، والفنون التراثية، والمناسبات الاجتماعية التي تجمع أفراد المجتمع بروح واحدة. غير أنّ هذه المظاهر بدأت تشهد تغيرات ملحوظة، خاصة بين فئة الشباب وفي المدن الكبرى.
العولمة تغيّر أنماط الحياة
أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الإعلامي في إدخال أنماط سلوكية وثقافية جديدة إلى المجتمع الأردني، انعكست على أسلوب الحياة اليومي، وطريقة اللباس، وحتى على طبيعة العلاقات الاجتماعية. فقد تراجعت بعض العادات التقليدية، مثل الجلسات العائلية الممتدة، لصالح التواصل الرقمي، كما تغيّرت طقوس الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية لتصبح أكثر بساطة أو تأثرًا بالنماذج العالمية.
التراث بين التراجع والتجديد
في المقابل، لم يكن تأثير العولمة سلبيًا بالكامل، إذ ساهمت في إعادة إحياء بعض جوانب التراث الأردني بطرق حديثة. فقد لجأ العديد من الشباب إلى توظيف المنصات الرقمية لعرض الحياة البدوية، والأغاني الشعبية، والحِرف التقليدية، ما ساعد في نشرها على نطاق واسع محليًا وعالميًا، وخلق فرص اقتصادية جديدة مرتبطة بالسياحة الثقافية.
جدل حول الفعاليات والمواقع الأثرية
لقد أثار تنظيم بعض الفعاليات الفنية والسياحية في مواقع أثرية أردنية نقاشًا واسعًا حول التوازن بين تنشيط السياحة والحفاظ على قدسية المكان التاريخي. وبينما يرى مؤيدون أنّ هذه الفعاليات تسهم في التعريف بالأردن عالميًا، ويؤكد آخرون ضرورة وضع ضوابط تحمي الهوية الثقافية وتحافظ على الإرث الحضاري.
دور المؤسسات والمجتمع
ويرى مختصون في الشأن الثقافي أنّ الحفاظ على العادات والتقاليد لا يعني الانغلاق، بل يتطلب مواكبة العصر بوعي. وتبرز هنا أهمية دور المؤسسات التعليمية بجميع اشكالها والثقافية في تعزيز الهوية الوطنية، إلى جانب دعم المبادرات المجتمعية التي توثّق التراث وتنقله للأجيال الجديدة بأساليب عصرية.
هوية متجددة لا منقطعة
يبقى التحدي الأكبر أمام المجتمع الأردني هو تحقيق التوازن بين الانفتاح على العالم والحفاظ على الخصوصية الثقافية. فالعادات والتقاليد ليست مجرد ممارسات ماضية، بل هي هوية حيّة قابلة للتطور دون أن تفقد جوهرها، إذا ما أُحسن التعامل معها في عصر العولمة.
ختامًا، تبقى العادات والتقاليد الأردنية ركيزة أساسية في تشكيل الهوية الوطنية، مهما تعددت المؤثرات وتغيّرت الأزمنة. فالعولمة، رغم ما تحمله من تحديات، لا تعني بالضرورة طمس الهوية، بل قد تكون فرصة لإعادة تقديم التراث بروح عصرية تحفظ جوهره وتمنحه الاستمرارية. وبين الأصالة والتجديد، يظل وعي المجتمع ومؤسساته هو العامل الحاسم في حماية الإرث الثقافي الأردني، ليبقى حاضرًا في الذاكرة، ومتجددًا في الممارسة، وراسخًا في وجدان الأجيال القادمة.