في وداع قامة وطنية… الشيخ سيف الدين عبيدات
سيرة عطاء لا تغيب
نيروز –
محمد محسن عبيدات
برحيل الشيخ سيف الدين محمد سلطان عبيدات
"أبو ويس”، فقد لواء بني كنانة ومحافظة إربد، ومعهما الوطن، واحدًا من رجالاته الكبار
الذين صاغوا حضورهم بالفعل قبل القول، وبالمواقف قبل الألقاب. رحل جسدًا، وبقي أثره
شاهدًا على حياةٍ كُتبت بحبر الحكمة، وتُرجمت بالخير، وتوّجت بالمحبة الصادقة في قلوب
الناس.
وُلد الفقيد في بلدة يبلا عام 1941، ونشأ
في بيتٍ عرف العلم والأخلاق، وتشرب منذ نعومة أظفاره القيم الإسلامية السمحة التي ظلت
بوصلته في الحياة. تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة كفرسوم، ثم واصل دراسته في مدرسة العروبة
الثانوية بمدينة إربد، حيث نال شهادة الثانوية العامة عام 1959، حاملاً معه طموحًا
هادئًا وإرادة صلبة لبناء ذاته وخدمة مجتمعه.
وفي عام 1963، التحق بوزارة البريد والمواصلات،
ليبدأ مسيرةً وظيفية اتسمت بالانضباط والنزاهة والكفاءة، فتولى إدارة عدد من مكاتب
البريد في مناطق مختلفة من المملكة، وكان مثال الموظف المسؤول والقائد الإداري الحكيم،
إلى أن تقاعد عام 1995 بعد رحلةٍ حافلة بالعطاء والإنجاز.
لكن الوظيفة لم تكن يومًا حدود تأثير "أبو
ويس”، بل كانت بوابةً إضافية لخدمة الناس. فقد عُرف الراحل قامةً اجتماعيةً ووطنيةً
مرموقة، حاضرًا في ميادين الإصلاح، وميادين الخير، وميادين الوفاق. كان رجل جاهٍ وعطوة،
وصوت عقلٍ في أوقات الخلاف، ومرجعًا يُحتكم إليه لما عُرف عنه من حكمةٍ ورجاحة رأي
وبعد نظر.
امتلك الشيخ سيف الدين عبيدات قلبًا يتسع
للجميع، وبابًا مفتوحًا لا يُغلق في وجه محتاج أو صاحب قضية. آمن بدور الشباب ووقف
إلى جانبهم، وشجّع المبادرات الخيرية والثقافية والاجتماعية، وأسهم في دعم كثير من
أبناء منطقته بصمتٍ نبيل، لا ينتظر شكرًا ولا يبحث عن ثناء.
وكان، إلى جانب ذلك كله، إنسانًا بسيطًا في
تعامله، صادقًا في كلمته، شفافًا في مواقفه، عفوي الابتسامة، كريم النفس، متواضعًا
رغم مكانته، فاستحق محبة الناس واحترامهم على اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم. جسّد في
حياته أجمل ما في العادات والتقاليد العربية الأصيلة المستمدة من روح الإسلام وقيمه.
إن الشيخ سيف الدين محمد سلطان عبيدات "أبو
ويس” لم يكن مجرد اسمٍ في سجل الذاكرة، بل مدرسةً في الأخلاق، ورمزًا من رموز عشيرة
العبيدات، وعَلَمًا من أعلام لواء بني كنانة ومحافظة إربد، وشخصية وطنية تركت أثرًا
عميقًا في المجتمع الأردني.
برحيله، يترجل فارسٌ من فرسان الخير، لكن
سيرته ستبقى حيّة، تُروى للأجيال، وتُستحضر في المواقف، وتُستدل بها على معنى الرجولة
الحقة وخدمة الناس بإخلاص.
رحم الله الشيخ سيف الدين محمد سلطان عبيدات
"أبو ويس”، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّم في ميزان حسناته، وألهم أهله ومحبيه وذويه
جميل الصبر وحسن العزاء.
سيبقى اسمه منقوشًا في القلوب، وعلامةً مضيئة
في تاريخ المنطقة، ورمزًا للكرم ،والحكمة والنقاء.