هل تغيّرت عمان .! هذا السؤال الذي يقف منتصبا كل صباح وأنت تعبر شوارعها ، نعم كبرت عمان وتوسعت وداهمها سيل التغيير ، كانت قرية واليوم عاصمة مليونية تفيض بالبشر والجنسيات المتعددة ، وهذا من ضرورات التطوير نستجيب له ونصدع لأمره، لكن هل التطوير يعني أن نتنازل عن مجموعة القيم الأردنية التي كنّا نتباهى بها.
ما نشاهده في شوارع عمان من خروج عن قيمنا وعاداتنا وآخرها الفتيات اللواتي ضربن المرأة كبيرة السن في منتصف شارع وصفي التل ، هو نتيجة سياسات حكومية تستقصد محو هوية البلاد تحت عناوين تشجيع الإستثمار وجلب كل "همل " العالم تحت ذريعة فتح الأبواب والإنصياع لرؤوس الأموال الهاربة التي ترى الوطن "بزنس " وتجارة وعهر وكل شيء قابل للبيع.
الوطن ليس جنسية أو جواز سفر يمنح مكافئة ، ولا رقما وطنيا يُطبع في سهرة مقابل ثمن بخس ، والوطن ليس وهماً لهؤلاء الذين أحضروا الدولارات من غربتهم ، وأعتقدوا أنهم إشتروا وطنا من حجر أبيض وقرميد ، وبنوه فوق تلوم مروجنا ! هؤلاء لم يدركوا أن الأوطان مهرها غاليا، و"سياقها " الدم والبارود وفرسان وعسكر ينام الموت ولا يناموا .
نعم عمان كانت فقيرة ، وكانت قرية ، ولكن هي طيبة وكريمة وعفيفة النفس وطاهرة العرق ، لم تغلق يوما بابها دون صاحب حاجة ، ولم تعبس وجهها أمام غريب جاء ليلا هاربا بأولاده وعرضه، فاستقبلته وفرشت له صدر بيتها ، ونامت هي عند العتبة مخافة أن تزعجه ... لم تضق عمان يوما بضيف حتى لو كان "وسخا" ، فالتكرّم عليه صدقة ، ولربما يأتي أحد من نسله يوما فيرّد الجميل بمعروف ، لكنهم للأسف ركبوا على الخرج ، ومدّوا أياديهم فيه بلا خجل أو خوف .
الأردنيون أهل عمان ، طيبون وعروبيون بالفطرة، وهم من قدموا شهدائهم فداء للعرب ، وسال دمهم على أرض فلسطين وسوريا والعراق والكويت وليبيا والسعودية وعمان ... الأردنيون طيبون ، لكنهم يكرمون الضيف حتى لو كان لئيما ، ويهلّون به حتى لو كان قليل حياء ، فقد بنوا وطنا من تعب العسكر وحموه بأهداب عيونهم ، ويعرفون أنهم فقراء لكنهم يملكون أكثر من العملة الصعبة والذهب ، يملكون مروءة وشرفا وعزة نفس وطيبا وفروسية لا يجدها هؤلاء أشباه تلك "الساقطات" في أسواق النخاسة ، وبورصات العهر وشركات بيع الشرف والمبادئ.
عمان كتب لها عمالقة الشعر الأردني من قلوبهم ؛ عرار وحبيب الزيودي وحيدر محمود ، ولا يهمنا صغار من كتبوا ، فقد تعودوا هؤلاء أن لا يكتبوا إلا مقابل دراهم معدودة ، كراقصة الأعراس ومومسة المواخير .
هي عمان ستبقى نقيّة ، وستبقى محمية وستظل عالية ، وشوكة في حلوقهم ، وسنقاتل عن وطننا ورغم ضعف حكوماتنا ورغم ظلم ذوي القربى وحسدهم وغيظهم وضيقة عيونهم .