من حق أي مواطن أن يكون له وجهة نظر تتعلق بالشأن العام في وطنه، وأرجو أن تتسع صدور القائمين على هذا المؤتمر لوجهة نظري الشخصية التي أعبر فيها عن قناعاتي فيما يتعلق بالشأن الوطني في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة برمتها بما فيها الأردن بمكانته الحساسة، وبعيدا عن وجهات النظر بين ما يسمى بالمعارضة، أو الحراك، أو ما يسمى بجهات الولاء فإنني أرى الآتي:
أولاً: المطلوب من كل القائمين على تنظيم هذا المؤتمر، ومن كل مواطن في هذا الوطن أن يطرح الأسئلة التالية:
أ - لماذا وصلنا لهذا الحال من الأزمات والتحديات والمعضلات؟ ب_ إلى أين نريد الوصول بهذا الوطن؟ ج_ كيف السبيل بالوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان؟
ثانيا: نظرا لحساسية الوضع الداخلي الأردني علينا أن نصارح بعضنا بمضمون هذه الأسئلة، وهل لدينا القدرة والصراحة على الإجابة على هذه الأسئلة بعيدا تقسيمات الولاء والمعارضة والحراك، فليس من مصلحة أحد أن يقصي الآخر أو يستأثر بالحديث نيابة عنه، فلا يوجد طرف قاصر يتحدث باسمه طرف أخر، ولنفترض حسن النوايا فنقول: بأن الجميع يبحث عن المصلحة الوطنية وإن اختلفت الوسائل والأساليب للتعبير عن ذلك.
ثالثا: هل المؤتمر المنوي عقده قادر على طرح هذه الأسئلة بصراحة وشفافية؟ وهل هو قادر على طرح الحلول الواقعية؟ وهل التحديات التي تواجه الأردن فقط المعني بها فقط أبناء قبيلة بني حسن أم أنها تعني كل الأردنيين؟
رابعاً: دلت تجارب المجتمعات الراشدة أن المنطلقات القبلية والمناطقية منطلقات ضيقة الأفق في عالم يتطلب تضافر الجهود والطاقات للوصول إلى الفضاء الأرحب، ثم أن هذا المؤتمر له محاذير قبلية لتقسيمه المقسم أصلاَ، ويزيد من الانقسام بين أبناء القبيلة بتصنيفهم إلى تصنيفات غير مناسبة، وغير قادرة على تجاوز تحديات المرحلة.
خامساَ: المطلوب مؤتمر وطني جامع لكل أطياف المجتمع الأردني، والحديث فيه بكل شفافية وصراحة عن الحال الذي وصلنا إليه، ويعلن فيه بكل وضوح أن الكفاءة هي المعيار الوحيد لتولي المراكز القيادية، وإن المحاصصة القبلية والمناطقية لا تخدم الوطن، وغالب أبناء الوطن يعانون من الإقصاء والفساد والمحسوبية والتهميش، وأن فئات محددة هي تستأثر بحصة الأسد في كل شيء، وهذه هموم مشتركة لا تقف على أبناء قبيلة على حساب قبيلة أخرى ، وإن الوطن برمته مستهدف من جهات خارجية لا تنفك تعلن ذلك صراحة دون تردد، ومن جهات داخلية تتناغم مع الأطروحات الخارجية بحثا عن مصالحها ، ولا يعنيها الوطن بقدر ما تعنيها المصالح .
سادسا: محاربة الفساد لا تكون من خلال المؤتمرات، ولكن من خلال الإجراءات الحاسمة بوضوح تحاربه وتستعيد المؤسسات التي بيعت والمقدرات التي نهبت، واعتبار الشعب هو صاحب الولاية العامة باختياره للسلطة التنفيذية والتشريعية التي ترعى مصالحه، وإعادة هيكلة المؤسسات المستقلة، وجعل المواطنة هي المعيار الوحيد لتولي المراكز القيادية، ووقف التجنيس ممها كانت اعتبارات المطالبين بها.
سابعا: البحث عن الهوية لا يكون من خلال الانتماءات الفرعية مهما كانت عناوينها، وهي لا تخدم إلا فئات محددة على حساب المجموع الكلي للمواطنين، وللأسف الشديد فإن ممارسات السلطات التنفيذية عبر عقود من الزمن كرست الهوية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة لغياب معايير المواطنة الواضحة، وغياب المساءلة والرقابة في هذا الخصوص.
ثامنا: آن الأوان للقائمين على المؤتمر وغيرهم التخلي عن وهم المكاسب والمناصب، فلم يبق في الوطن مكاسب تذكر بعد كل الهدر للطاقات والثروات، والكعكة التي تحت الأرض وفوق الأرض ذهبت لأصحاب النصيب، وأصبحت الوظيفة العامة عبئا ومغرما لا مغنم فيها، وتجلب لصاحبها المتاعب لعدم قدرته على القيام بمتطلباتها في ظل منظومة عاجزة عن الوفاء بكل متطلباتها.
تاسعاً: الأوراق المطروحة بعناوينها المعلنة هي عناوين بارزة عامة فضفاضة تصلح لكل الأردنيين والتأكيد عليها لا ضرورة له باعتبارها من المسلمات في المجتمع الأردني الذي صبر ويصبر رغم الظلم والجور والفساد والاستبداد من القريب والبعيد حفاظا على هذا الحمى العربي انطلاقا من وعيه الراسخ وتعلمه الدروس من محيطه العربي الملتهب والمكتوي بنار النزاعات والحروب العبثية.
عاشرا : أبناء القبيلة غير مطالبين بتجديد الولاء للوطن ، فهم ليسوا غرباء ولا دخلاء عليه كغيرهم من الأردنيين النبلاء الذين يهبون للدفاع عنه عند أي ملمة من الملمات ، وغيرهم مطالب بإثبات الولاء سلوكا عمليا بترك ذم الوطن" يأكلون خيره ويصفونه بأقذع الأوصاف " ويرحلون عنه عند جفاف ضرع بقرته الحلوب .
الحادي عشر: الاصطفاف في خندق الوطن يتطلب شجاعة نادرة لا تكون بالبحث عن الهويات الفرعية، ولا بالمؤتمرات التي لا تملك أدوات التغيير، ولا بالتعبير عن رأيها بالشتائم، ولا بالنفاق والمجاملات، ثم ماذا اغنت عنا كل مؤتمرات القمم العربية، وقمم منظمة المؤتمر الإسلامي في الحفاظ على الأوطان والبلدان، ومئات المؤتمرات على عناوين متعددة، والأوطان تقضم، والاقتصاد يتراجع، والحياة الناس في تراجع مستمر.
بني قومي أتمنى لكم الخير، ونصيحتي أن تبحثوا عن طريق آخر لعل فيه الخلاص لأوجاع الوطن ويحفظه من العبث، وانتم جزء من هذا الوطن، حفظ الله الوطن من كل عابث وحاقد، وحفظ الله الوطن من كل مارق جبان، والله المستعان.