كنت أظنك زائرا عابرا ..ولم أدري أنك استفحلت واستوطنت احشائي غصبا ..... حتى استحكمت وصرت تسرح وتمرح بكل صلافة ونذالة ...وقد تجردت من مبادئ الانسانية ... أوليس في قلبك أدنى رحمة وشفقة ؟؟! لكني لم أعد اخشاك بعد اليوم ولم يعد يرعبني اسمك ... أتدري لماذا ؟؟ لتعلقي بالله العلي القدير، مقدّر الأقدار ومسبب الأسباب ..والفعال لما يريد .. والذي وعد عباده الصابرين المحتسبين بالدرجات العلى .
في كل مرة .... أذهب بها إلى ذاك المشفى يخيل لي أن ملك الموت -وما اعدله وانزهه وارحمه- قد تربع هناك وبيده يقبض الأرواح، يقطف زهرة تلو زهرة... لم يكن يأبه بالعمر ولا بالجنس ولا باللون ولا بالحسب والنسب ولا ولا ..
هناك أرى عيون الناس تتجه إلي بشيء من الحزن أو ربما الشفقة، كم أكره هذا الشعور... أن ترى من يشفق عليك فيعاملك وكأنك طفل صغير ....حتى عندما أغضب - ولا أعلم لماذا أغضب -- أراهم يعاملوني كطفلة صغيرة ..هذا هو الشعور الأسوأ على الإطلاق.
أمي.. في كل اللحظات تبدو لوحة لا يحلو ويروق لعيني جمالا سواها، تجلس جانبي وبيدها مسبحة بيضاء ما تنفك تسبح وتهلل..في كفها حين ترفعه عطاء الله قد تجسد وتنزل .. وبتمتمات الضراعة تتوسل، في جنبات ظفيرتها تطالعني نسمة يفوح منها عبير الجنة، أنفاسها تحيل لذعة جرعاتهم بردا وسلاما ، لكني أشفق عليها حين أرى الدمع يروي خديها .
في هذا المرض .. شعرت بدفق إيماني يسري في عروقي، رأيت الابتلاء وعرفت معناه، وأيقنت إن حمدته خفف عني آلامي .. في هذا المرض رأيت من هم أعظم بلاءا مني، رأيت براعم بريئة تتذوى، ورأيت دموع حرى حزينة صامتة تحاول الامهات اخفاءها عن فلذات اكبادها، وسمعت آهات وأنات مرضى ..كسرت قلبي ..
رأيت حكماء ارتدوا عباءة الإنسانية وحملوا على عواتقهم رسالة سامية ...قسمات وجوههم تتلألأ بأنوار المودة .. وتستأنس بها القلوب .. نظراتهم متأملة متدبرة، فلا يقولوا الا ما يجب قوله، بكل دماثة خلق وتواضع رفيع ..ورأيت بيض الحمائم الوجوه الملائكية يصنعن البسمة على شفاهنا ..
أكتب كلماتي هذه ... وأنا أنتظر موعد المراجعة متأملة في وجوه الناطرين مثلي ...نعم لم أيأس من روح الله ولن اقنط من رحمته ... ولم أجزع فلعلي إن رحلت عن هذه الدنيا الفانية أن أرحل صابرة محتسبة عزيزة شامخة ..