عندما كنّا نُحذر من مغبّة انحناء عضد الدولة أو انكسار هيبتها؛ فمرد ذلك ليس لأننا نُدافع عن الحكومات أو أننا نُقلل من مطالب الناس المعيشية ولكن لأن الدولة هي مناط الكرامة، ومربط الصمود الوطني في وجه المؤآمرات الخارجية، والاختلالات الداخلية المطلبية منها أو السياسية.
ولعلَّ نكوص النخب وانحيازهم إلى القضايا المطلبية، والهويات الفرعية؛ قد أسهم إلى حدٍ بعيد في تغيير الأولويات الوطنية، واستحضار صورة قاتمة للواقع الوطني، واستدعاء مخاوف مبالغ فيها تؤدي إلى توتير المجتمع، وزعزعة الأيمان بالصمود ومقاومة المخاطر في وجه المحن والشدائد التي لا ينكرها أحد.
الصلف الخارجي على خطورته أقل تأثيراً وأثراً في الهاجس العام والسبب في ذلك أن الذات الأردنية تأبى الدنية وتأنف اللجوء أو الاستكانة؛ فتقرر مبكراً الانحياز للهمِّ الوطني وتقاوم ببسالة المخاطر الخارجية باعتبارها خطراً على الأرض والعرض والكرامة، والسبب يَكمن أيضاً في التحصين الأخلاقي الذي يتميز به النظام السياسي الأردني وهو ما جعل منه عامل الإجماع الأوحد والقاسم المشترك الفريد للأردنيين في كل مواقعهم ومشاربهم الفكرية وتنوعاتهم الثقافية والانسانية، وفي حضور الخطر الخارجي يتحول الأردنيون في لحظة إلى حالة من الغضب الذي لا يهدأ إلا بالنصر المبين.
ليس هناك خطراً على الوطن من صفقة القرن لأن الخنوع السياسي والقبول بسياسة الأمر الواقع ثقافة متعفنة يأنفها الأردنيون ويأباها أحفاد أبطال الكرامة، ولكن الخطر الموجع يكمن في الصلف الداخلي وبعض المنغصات الإقليمية التي لم تدرك بعد إنّما أُكلنا يوم أكل الثور الأبيض، وأن ثنائية شموخ القيادة وصلابتها، وأنفة الأردنيين عن قبول الدنيّة والهوان هي أهم ضمانات العناد الأردني والإصرار الهاشمي على بلوغ الأُلى في حماية الكيان والكينونة والهوية وحفظ القدس الشريف وديعة الهاشميين على مدى التاريخ.
على النخب الوطنية الحيّة أن تتخلى فوراً عن المطالب المهنية والنقابية والحزبية والمناطقية لصالح المصلحة الوطنية العليا ومواجهة المخاطر التي تواجه الوطن ليل نهار، وعليها أن تستر عيوب الوطن وأن لا تنكأ جرحه الدامي الذي تسبب فيه الأبناء والأشقاء والأصدقاء على حدٍ سواء، فالصمود الوطني سيُسهم في تخفيف وطأة ضيق ذات اليد، والإرادة السياسية الحازمة ستُسهم بتحصين الوطن من الفساد وكشف الفاسدين في الوقاية وإنفاذ القانون على حدٍ سواء.
صفقة القرن لا تخيفنا ولن تقضَّ لنا مضجعاً لأننا مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس من أجل هويتنا ووطننا وكرامتنا الوطنية، وإسنادنا للأشقاء في فلسطين –كما نحن– لن يتغير، ومن يريد اختبار عزيمتنا فهو خاسر بالطبع، والأصوات النَّشاز التي يُروجها الغاصب المحتل هنا وهناك لن تنال من إيماننا بوطننا وقيادتنا، وعلى الذين يشككون في جدوى الصمود الوطني ويحاولون إذكاء عوامل الضعف؛ من أعداء الداخل والذين يحاولون ارتداء أثواب الحرص المزيّف ويبثون خطابات اليأس، ودواعي الاستسلام لمتطلبات الخبز ومقتضيات القوة أن يُدركوا أن الوطن والقوى الوطنية الحيّة سيلعنونهم أبد الدهر.
الأردن للأردنيين ولن يكون لسواهم، وقرار فكّ الارتباط لا عودة عنه، والتوأمة بين الأردنيين والهاشميين هي عقال الرأس وتاج الجبين، واليقظة الأردنية هي في أبهى تجلياتها ولن يُضام الأردن وقيادته وفي رمقنا نبض حياة.