ليس لنا سلطة على وقف مخاوف الناس، ولا نملك أدوات معقولة لمنع بعض الكتاب من جلد الوطن، وبثّ السموم والشكوك في يقيننا الوطني والمتمثل بأن هذا الوطن عصيٌّ على الاستهداف والمؤامرات ، بل ربّما أضحى من الملائم والضروري القول بأن أي حديث في هذا الوقت الحرج عن إمكانية إلغاء قرار فكّ الارتباط يعادل الخيانة الوطنية، ونصرة المحتل، وخدمة أعداء الوطن في الداخل والخارج على حدٍ سواء، ولعلّني كنت قد حذرت غير ذي مرة من رواد السفارات ودعاة النيل من الصمود الوطني وهم أكثر الأصوات مطالبة في السابق ؛ لتعزيز تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب العربي الفلسطيني والالتزام بمقررات مؤتمر القمة العربية في الرباط لعام (1974).
لم تعترف سوى ثلاث دول بوحدة الضفتين، ومع ذلك التزمنا بمضمونها حتى صدور قرار فك الارتباط استجابة للضغوط الدولية والفلسطينية لإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، والتي نشأت تحت إشرافها السلطة الوطنية الفلسطينية وأضحت تملك سفارات في معظم دول العام وكل المنظمات الدولية ومنها اليونسكو ومحكمة الجنايات الدولية، وتملك صفة العضو المراقب في الأمم المتحدة. وباستثناء الرعاية الهاشمية والإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية والتي استندت لموافقة فلسطينية واتفاقات دولية فرضها واقع الاحتلال ؛ فإن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هما من ترعيان الشأن الفلسطيني منذ صدور قرار فك الارتباط بل قبل ذلك بكثير.
الدولة الفلسطينية اكتسبت صفة الدولة القانونية والفعلية وفقاً لنظرية الاعتراف الفعلي، وعدم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي باعتبار فلسطين دولة مستقلة ناشئ عن اعتبارات سياسية وليست فعلية، وناشئة عن انحياز غير منصف لإسرائيل؛ فالسيادة القانونية قائمة في غزة ووجود الإقليم قائم فعلاً، والشعب العربي الفلسطيني الصابر المرابط صامد على أرضه ولا يقبل بغير منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً له، وهو لن يكون وقوداً لمؤامرات دولة الاحتلال والغطرسة الصهيونية ومن دار في فلكهم من كل حدب وصوب. والأثر المتأتي من قرار مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية له أثر كاشف وليس منشئ، الأمر الذي يجعل من وجود الدولة الفلسطينية حقيقة قائمة في المجتمع الدولي لا تتغير أبداً.
النطق السامي كان دائماً أكثر وعياً وأدق وصفاً عند التأكيد على اللاءات الثلاثة ، وعدم جواز بثّ المخاوف التي ليس لها وجود أصلاً إلا في حناجر المشككين واليائسين وأقلام الخوف والتآمر والحقد والعمالة للأجنبي التي نربأُ عنها تلك الأقلام الوطنية الحرّة التي لا يمكن أن تخدم المحتل بقصد أو بدونه، والنطق السامي كان أكثر وضوحاً وانسجاماً وإصراراً على الانتصار للثوابت الوطنية وفي مقدمتها هويتنا الوطنية الأردنية التي تتعرض هذه الفترة لأخطر مؤامرة يقودها حفنة من المتآمرين على الموقف الأردني الثابت الذي يقوده جلالة الملك من القضية الفلسطينية ومصالحنا الوطنية العليا.
البوح الملكي الذي يعبر عن نظرة ثاقبة في تفويت الفرصة على الصلف الصهيوني، وممارسة دبلوماسية صادقة وحازمة في الحرص على الثوابت الوطنية، وخاصة مع الإدارة الامريكية من خلال فتح حوار عقلاني مع الكونجرس الأمريكي ولجانه الفاعلة في القرار الأمريكي مما جعل من صلابة الموقف الأردني محطّ احترام كسب تعاطف المجتمع الدولي وخفف وطأة الضغوط التي يحرض عليها الإسرائيليون، هذا البوح المخضب بالحكمة، والأنفة، والصلابة، والحزم الذي قلّما يتصف به قائد في العالم يجعلنا نلتف حول قيادة جلالة الملك، ونردد كلّا لكل من يحاول استهداف المصالح الوطنية العليا، وهويتنا الوطنية الأصيلة أو تمرير المخططات الصهيونية على حساب الأردن وشعبه وقيادته.