في الخمسينيات كنتُ قد ولدتُ في فكرة، تمنيت لو كنت أمراة في ذلك الجيل، جيل كان رجاله و نسائه يفخرون بالعروبة، يحضرون لقاءات القومية بشغف، و عقيدة الوطن كانت أسلوب حياة فاخر، فاللهجة صامدة، و فخامة دعم الناس لبعضهم تشهد نموا كما الوطن العظيم.
كانت الثقافة سلاحا، و الكتب مرافقة، والسياسة نهجا، والاخلاق ثابتة ، و الرجولة كاسحة، وحمرة الخجل في محيا النساء طبيعية.
ثم كان ملك، شاب، طموح، غيور على العروبة، متوازن خطابه باذخ الذكاء السياسي، حاملا لروح الوطنية ليورثه لعبدالله من بعده .
أما بعد، ففي عام ١٩٥٦ كان الأردن في أزمة سياسية قوية، فاعتقال فلسطين كان حالة تشغل كل الأردنيين و على رأسهم الهاشميين، فكيف لزينة مثل فلسطين جميلة المحيا، فدائية العروبة، مجمع الأديان، أن يعتقلها صهاينه الشتات، فيغتصبوا أرضها المقدسة .
وبالطبع كان للأردن موقفا كهدير الرعد، واضحا متمسكا بحماية الشقيقة، رغم انه و في تلك الاثناء كان الجيش الأردني العربي الفحل لا يزال يولي في مناصبه العليا مجموعة ضباط بريطانين، فُرضوا علينا بعد الإستقلال رغم الأنف ... لكن الحسين بن طلال طيب الله ثراه لم يتقبل هذا الفرض، ليحتد الخلاف مع كلوب باشا رئيس الجيش في حينه وتتوترت الأحداث و المواقف بينهما، إيمانا بأبي عبد الله أن الأردن المستقل لا يتقبل فكرة الفرض من أي كان، و أن الشقيقة فلسطين تحتاج عين الأردن لترعاها .
ففي الأول من آذار أعلن الحسين تعريب الجيش فعفا كلوب وكوجهل وهاتون من مناصبهم العسكرية، و أستبدلهم بضباط أردنيين. ليكمل الجيش الأردني العربي مسيرته مؤكدا على مواقف الأردن برفضه التخلي عن الكرامة و النخوة و الشهامة .
فكان الأردن و لازال أرض كريمة رغم الفقر، جباله شامخة رغم الصعاب، شعبه عظيم صابر كاظم الغيظ رغم الضيم، فظل الأردن شهما كجيشه، بيته بيت كل العرب، حاضنا للاجئ و الفاقد و المعوز، فرغم العوز عز العرب وضمن ظهرا استراتجيا حاميا.
فكان تعريب الجيش مقدمة لجوهر عروبي زُرع في قلب كل جندي نشمي و أردني حر، فلتزم بالشهامة المولودة بالفطرة، والنبالة بالبيئة المحافظة، و الكرامة في تربية نسائه الحرائر .