الدكتور عديل الشرمان
يحضر متأخرا، محاولا تدارك ما فاته، فتقدير الوقت ليس له في قاموسه اعتبار أو أهمية، ويسير بخطى متسارعة متسرعة، تبدو عليه علامات الارتباك والتوتر وهو يلملم أوراقه، ويجمع أشياءه قبل موعد البرنامج أو النشرة الإخبارية، لم يتبقى له من الوقت إلا إلقاء نظرة سريعة إلى تسريحة شعره، والاهتمام بمظهره، الشكل دائما أولوياته على حساب المضمون.
وما أن يعطي المخرج إشارة البدء، يبدأ رحلة من زمن البرنامج يتيه خلالها في طرق لا يعرف اتجاهاتها، ولا يعرف لها نهايات، وليس لها أهداف واضحة ومحددة، يبحث بشغف عن الوصول إلى الأنا بلا جدوى، ويسعى إلى تحقيق الذات من خلال حركات استعراضية وتعبيرات جسدية غير لفظية استباقية واستثنائية، ليس لها أساس من المهنية، وتخلو من أية قدرات تأثيرية أو تشويقية، أو أية إبداعات إعلامية.
يستخدم مفردات ضحلة ووهمية ليس لها مكان أو أهمية، فيها الكثير من الأخطاء اللغوية والنحوية، وتظهر عليه علامات دالة على نقص في المعرفة والثقافة والجدية، ويكلم ضيفه من فوقية، مستعرضا عضلاته الإعلامية بصورة مملة وهزلية، وكأن همه وغايته تنحصر بتعبئة مساحات زمنية، في أفكار ومعلومات ضعيفة وسطيحة، تخلو من الدلالات والمعاني الرمزية، يأمل من خلالها الوصول إلى الشهرة والشعبوية.
لا يعرف هذا النوع من الممارسين أن الإعلام أخطر لعبة في تاريخ البشرية، ولها فنون وأحكام مهنية، وأسقف للحرية، وضوابط قانونية وقواعد أخلاقية، وأسس دينية، وتأثيرات سلوكية ووجدانية ونفسية، وأن للكلمة معاني إيجابية، وآثار سلبية، ودلالات رمزية، ولها أهداف في مسيرة الوطن التنموية، وفي منظومته الأمنية، وفي تماسك جبهته الداخلية، وتعزيز القيم الجمالية والأسرية، والانتماء والوطنية، وأن للكلمة أهداف تعبوية، وأدوار اجتماعية واقتصادية وسياسية.
وضع كهذا من الطبيعي أن يصاحبه سقطات وأخطاء لغوية ومهنية، وهفوات غير مقصودة بعيدة عن المقاصد وسوء النية، في بعضها من الجهل والأمية، وأكثرها مألوفة وطبيعية، ولا يمكن علاجها إلا بكفاءات جادة وقوية، تحسن الإشراف والإدارة الإعلامية، وتجيد اللعب على أوتار مهنية، وتستند إلى الخبرة والتدريب والنظريات الإعلامية.
الواسطة والمحسوبية، والغايات الجهوية والمصالح النفعية، والأهداف الاقتصادية والربحية، وربما صفقات انتخابية، وأهداف عبثية هي التي أوصلتهم إلى نوافذ إعلامية، وأصبح العمل يميل إلى الارتجالية والعشوائية، وتنقصه العناوين والهوية، ومن غير تخطيط ولا أهداف استراتيجية، فألحق هذا الواقع ضررا بالمصالح الوطنية والمجتمعية، وصار المواطن هو المتضرر والضحية.
تلك هي الحال باختصار، وتلك هي حكاية البعض من الإعلاميين في وسائل الإعلام، المقروءة، والمسموعة، والمرئية، وللحديث جوانب أخرى مخفية، كما أن للقصة بقية.