دراسة علمية: الدولة العميقة في الأردن ومصر تشكل عائقًا أمام التحول الديمقراطي، والاستمرار في تكريس أهداف ومصالح قوى الدولة العميقة والحيلولة دون التحول الديمقراطي سيؤدي إلى مخاطر مستقبلية ستؤثر على بنية الأنظمة السياسية واستقرارها في دولتي الدراسة على المدى المتوسط والبعيد.
كشفت نتائج دراسة علمية حديثة في حقل العلوم السياسية عن أثر الدولة العميقة على التحول الديمقراطي "دراسة حالة الأردن ومصر"، The Impact of the Deep State on the Democratic Transformation "Cases Study of Jordan and Egypt A"، أعدها الباحث يحيى القضاه لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي الدولي من جامعة اليرموك – قسم العلوم السياسية، بإشراف الخبير الدولي في شؤون الديمقراطية الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة مشرفًا ورئيسًا، وعضوية أستاذ علم المستقبليات الدكتور وليد عبد الحي، والدكتور وصفي الشرعة، والدكتور صايل السرحان عضوًا خارجيًا.
وتكون متن الدراسة من 207 صفحة قُسمت على أربعة فصول ومقدمة ونتائج وتوصيات وخاتمة، واستخدمت المنهج الكمي للتعبير عن مؤشرات الدولة العميقة بالأرقام بدلًا من الكلمات، وتم توظيف البيانات الإحصائية بواقع 38 جدولًا بالاستناد إلى مؤشرات وتقارير مراكز الأبحاث العالمية والمنظمات الدولية ولدراسة وتحليل طبيعة ونمط العلاقة بين متغيري الدراسة، تم وضع نموذج علمي يراعي النسق السياسي والاجتماعي للأردن ومصر لقياس أثر مؤشرات الدولة العميقة على التحول الديمقراطي.
وبحسب مصفوفة التفاعل بين مؤشرات التفاعل السياسي وبين قوى الدولة العميقة تم تقسيم مستويات التأثير على الديمقراطية وفقًا للنسب المئوية التالية:
المستوى الأول:( 66.66% - 100%) ووفقًا للنسب المئوية لقوى الدولة العميقة وللمؤشر الذي يقع ضمن هذا المستوى فإن ذلك العامل يؤثر بشكل كبير في عملية صنع القرار.
المستوى الثاني:( 33.33% - 66.66%) ووفقًا للنسب المئوية لقوى الدولة العميقة وللمؤشر الذي يقع ضمن هذا المستوى فإن ذلك العامل يؤثر بشكل متفاوت وأقل من المستوى الأول في عملية صنع القرار.
المستوى الثالث:( 0% - 33.33%) ووفقًا للنسب المئوية لقوى الدولة العميقة وللمؤشر الذي يقع ضمن هذا المستوى فإن ذلك العامل يؤثر بشكل هامشي ورمزي وأقل من المستوى الثاني في عملية صنع القرار.
وكشفت نتائج الدراسة بأن أكثر قوى الدولة العميقة في الأردن تأثيرًا بالمتغيرات هي القوى الاقتصادية بنسبة 68.1% تليها القوى السياسية بنسبة 67.5%، وبمستوى التأثير الثاني قوى ذات الارتباط الخارجي 36.3%، وبمستوى ثالث جاءت القوى المدنية 30% والقوى العسكرية والأمنية 27.5% تليها القوى الدينية 25% والنخب الثقافية 19.9% والقوى الاجتماعية 19.36%.
أما في مصر فإن قوى الدولة العميقة الأكثر تأثيرًا بالمتغيرات هي القوى الأمنية العسكرية والأمنية بنسبة 88.75% تليها القوى الاقتصادية بنسبة 78.75%، والقوى السياسية 75.63% وبمستوى ثاني القوى الدينية 35.63% وبمستوى ثالث والقوى الاجتماعية 24.76% والنخب الثقافية 21.88%، وبمستوى رابع جاءت القوى الخارجية 16.25% تليها القوى المدنية 14.76%.
وبرغم تباين شكل نظام الحكم في دولتي الدراسة فإن معدل درجات مؤشر الديمقراطية خلال فترة الدراسة (2010-2019) كان متشابهًا ومنخفضًا، ففي الأردن حقق معدل (3.83 من 10) وفي مصر (3.42 من 10)، بينما كان نسبة تأثر مؤشر الديمقراطية بقوى الدولة العميقة في دولتي ضمن المستوى الأول:( 66.66% - 100%).
وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها بأن الدولة العميقة في الأردن ومصر تشكل عائقًا أمام التحول الديمقراطي، وعليه فإن الاتجاه العام للدولة العميقة في دولتي الدراسة يدل بأن المرحلة المستقبلية على المدى القريب والمتوسط ستشهد في الأردن عددا من المظاهر تتمثل في استمرار الصراع ما بين الدولة العميقة والحركات الاجتماعية، نتيجة سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما سينعكس على بنية ومؤسسات النظام السياسي في الأردن، أما في مصر وفي ضوء الاتجاه العام لظاهرة الدولة العميقة فإن المرحلة القادمة ستعرف عددا من المظاهر في طبيعة العلاقة ما بين الدولة العميقة والتحول الديمقراطي، وهو ما سيجعل من احتمالية تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية قد يأخذ عدة أشكال سيكون أبرزها حركات اجتماعية قادمة تطالب مزيدا من التحول نحو الديمقراطية وتحسين الظروف الداخلية ما يجعل من أدوات الدولة العميقة في مصر أكثر قدرة في توظيف المؤسسة العسكرية لانقلابات عسكرية قادمة على المدى المتوسط.
وكشفت نتائج الدراسة بان الاتجاه العام لظاهرة التحول الديمقراطي في دولتي الدراسة تشير بأن المرحلة المستقبلية لن تشهد أي تحول ديمقراطي في المدى المنظور يصاحب ذلك مزيدا من عدم الاستقرار السياسي نتيجة تأثير البعد العام لقوى الدولة العميقة في زيادة مؤشرات معدلات الفقر والبطالة والفساد السياسي، واحتكار السلطة السياسية وزيادة معدلات الضرائب والبطالة واختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع وقد يصاحب ذلك؛ انخفاضا ملحوظا لنسبة الأمية في المجتمع بحسب الاتجاه العام للظاهرة، ما سيجعل الأنظمة السياسية في دائرة الخطر.
وفي ضوء ما توصلت له الدراسة من نتائج في مجال المؤشرات الاقتصادية فإن المرحلة المستقبلية لن تشهد أي تحسن ملحوظ في بنية الاقتصاد، فالاتجاه العام للمؤشرات الاقتصادية كالضرائب ومعدل دخل الفرد والتوجه نحو خصخصة مؤسسات الدولة ونمو الناتج المحلي تشير إلى مزيدا من الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد السياسي في المستقبل على المدى المنظور والمتوسط، ما يجعل البعد السياسي والتحول الديمقراطي يميل نحو مزيد من انعدام الاستقرار وزيادة احتمالات نشوء حركات اجتماعية معارضة ورافضة للوضع القائم، وهذا ما يزيد من احتمالية عدم استقرار الأنظمة السياسية في دولتي الدراسة في المرحلة المستقبلية.
وفي ضوء ذلك كله فإن الدراسة توصي: من الأفضل للأنظمة السياسية في دولتي الدراسة العمل على التراجع التدريجي من هيمنة ونفوذ قوى الدولة العميقة لصالح وحساب التحول التدريجي نحو الديمقراطية، لأن الاستمرار في تكريس أهداف ومصالح الدولة العميقة على حساب التحول الديمقراطي سيقود إلى مخاطر مستقبلية على المدى المتوسط والبعيد ستؤثر على بنية الأنظمة السياسية واستقرارها في دولتي الدراسة.
ويذكر بأن هذه الرسالة تعد الأولى على مستوى الجامعات الأردنية والعربية التي عالجت أثر الدولة العميقة على التحول الديمقراطي في الأردن ومصر باستخدام المنهج الكمي التي أشرف عليها الخبير الدولي في شؤون الديمقراطية وعضو هيئة التدريس في جامعة _قسم العلوم السياسية وعضو مجلس أمناء الجامعة الهاشمية الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة.