يتفاخر زعماء مليشيات حزب الله في لبنان، بأنهم حققوا انجازا عظيما عقب ما يسمى بحرب ٢٠٠٦ . الانجاز يتمثل في التفاهمات التي تمت بين قيادة المليشيا وحكومة اسرائيل وفحواها عدم الاعتداء المتبادل ببن ميليشيا الحزب واسرائيل. هذه التفاهمات تمت من وراء ظهر الحكومة اللبنانية ورغما عنها.
من المعلوم ان الحرب تتم بين دول، وليس بين دولة وحزب او عصابة او قبيله او مليشيا. وكذلك المعاهدات والتفاهمات تعقد بين الدول، ويجب ان تكون معلنة ومصادق عليها من السلطتين التنفيذية والتشريعية في الدولتين لا ان تكون سريه. أما عقد تفاهمات ومعاهدات سرية بين فصيل مسلح وبين دولة اخرى، خاصة اذا كانت عدوة، فإنه امر مستهجن وفاقد للشرعية واغتصاب لسلطة الدولة.
من جانب آخر ، فإن التفاهمات تعني انتهاء النضال والتنازل عن تحرير الاراضي اللبنانية وارض فلسطين مما يبطل الشعار ات التي يرفعها الحزب ووالدته ايران منذ عقود، ويفقده مبرر وجوده.
لقد شاهد العالم كله التدمير الفادح الذي تعرضت له بيروت بشكل خاص ولبنان بشكل عام نتيجة تلك الحرب، وتلويث تربته ومياهه بقنابل اليورانيم المنضب، اضافة لمئات القتلى والجرحى، والتي لم يقابلها على الطرف الاسرائيلي سوى عشرات فقط، انزعجوا من اصوات مفرقعات مليشيا الحزب الايراني تمت معالجتهم "بطاسة الرعبة".
ومع ذلك، يصر الحزب أنه انتصر، وبالتالي اصبح من حقه ان يكافأ ويجني ثمار انتصاره داخل لبنان، وان يستقل بقرارته عن تدخل الحكومة.
وهذا ما حدث فعلا. اذ يلاحظ في اعقاب تلك المواجهة، أن حزب الله الايراني قد احكم سيطرته المسلحة على الجنوب اللبناني في غياب اي دور فعال للجيش اللبناني صاحب الشرعيه بحمل السلاح والدفاع عن حدود الدوله. كما تمكن الحزب من السيطرة السياسية على الدولة اللبنانية، وحول باقي القوى التقليدية الى شراشب خرج، ومتسولين لمنافع ومناصب مسلوبة السلطه.
توازن الرعب والتفاهمات بين الطرفين اسفر عن القبول الواقعي de facto لتبادل الاحتلال دون معارضة حقيقية او اعاقه من اي طرف للاخر. تنفرد اسرائيل بفلسطين دون تهديد من حزب الله، وان يكون الحزب حاجزا امنيا على الحدود اللبنانية الاسرائيلية، وينفرد باحتلال لبنان.
ونظرا لأن حزب ايران في لبنان ليس ندا لدولة اسرائيل، فقد كان عليه ان يقدم تنازلات جوهرية رغم كل العنتريات والتهديدات والوعود التي تصدر عن مسؤولي الحزب. اهم التنازلات التي قدمها الحزب لاسرائيل هي مياه نهر الليطاني، مزارع شبعا، واراضي لبنانية على الحدود، والاهم التغافل عن حصة لبنان من البترول والغاز الذي تتنافس دول البحر المتوسط على استغلاله فيما عدا لبنان مع انها احق الدول به، بالرغم من تهديدات قيادة الحزب بتدمير منشآت الحفر والتنقيب الاسرائلية.
للاسف فإن حركة حماس، قلدت حليفها حزب ايران اللبناني، فاعلنت مرارا عن تفاهمات بينها وبين اسرائيل مبنية على توازن رعب متخيل وموهوم. المناوشات التي تجري بين حماس والفصائل الاخرى من جهة واسرائيل من جهة اخرى، لم تفسد ود التفاهمات، سيما وأن حماس قد ابدت استعدادها مرات عديدة للتوصل الى هدنة طويلة الامد مع اسرائيل. المناوشات يمكن وضعها تحت عنوان "مصائب قوم عند قوم فوائد". اذ يتلو كل مناوشة تدمير للقطاع من قبل اسرائيل وعشرات القتلى والجرحى الابرياء من الفلسطينيين الذين يتكرر التضحية بهم بانتظار عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات وتعويضات التي تهطل على الحركة. مآسي شعب غزة لا ينضب نبعها، ومزايا من يسببها لا سقف لها.
لم يصدر عن فصائل غزة لحد الان مطالبة فعالة مسنودة بمواجهة عسكرية، بحصة فلسطين من غاز وبترول البحر الابيض المتوسط. كما لم يتم التعرض لاعمال الحفر واستغلال الغاز الفلسطيني من قبل اسرائيل.
نموذج توازن الرعب وتبادل الاحتلال اختراع كبير للاسلام السياسي. يبشرون بتعميمه على المنطقة العربية كلها لا سمح الله.
هذه هي النتيجة الحتمية للسماح بنشوء دولة داخل الدوله. السماح لقوى بالشراكة، او تركها تعتقد انها شريكة في السلطة. لا يختلف حال الدولة التي تسمح بذلك عن حال من يغفل عن غزو السرطان لجسمه حتى ينتشر ويقوى ويستحيل استئصاله والشفاء منه.
لقد حان الاوان لحركة حماس وباقي الفصائل الاسلامية، ان تتطهر وتتوضأ من تحالفها مع حزب ايران وايران معا، سيما وهم يشاهدون ما فعلته ايران وحزبها في لبنان من تدمير وتخريب وتجهيل وافقار للعراق، ولبنان واليمن، والحبل على الجرار.