ملفات التعليم العالي كثيرة، وأشرت سابقا وفي عدة مقالات بأننا بحاجة لثورة بيضاء، أو لمبضع جراح، لأن هنالك عدة قضايا وملفات كثيرة يواجهها قطاع التعليم العالي في بلدنا، ولم نفلح لتاريخه بحل أي منها، وأصبحت القضية ترحيل ملفات، والتلهي بتعيين رؤساء الجامعات، وما رافقها من سقطات… للوزارة السابقة ومن سبقها، ونتوسم الخير ونتوجس في نفس الوقت، لنرى تمكن الوزير الحالي من فتح ملفات مؤرقة لقطاع التعليم العالي، وقد بدأها في قضيتين، الأولى إعادة النظر في أسس القبول الجامعي التي سُلِقت وأُقرت على عجل في عهد الوزير السابق، والذي أدخل التعليم العالي النائم في سبات طويل، وارتكب أخطاء لا تغتفر في ملفات عدة وخاصة ملف رؤساء الجامعات، وثاني الملفات ملف الموازي.
قضية القبولات يجب أن لا تترك بأي حال لمزاج الجامعات، فقد يكون القبول الموحد أفضل الموجود، لأنه لم تطاله آفة الواسطه والتدخلات والفساد بعد، وأما ما طرحه مجلس التعليم العالي في تعديلاته السابقة وقضية رأي القسم وامتحان القبول، فنعرف مسبقا أن ذلك سيقودنا لا محالة لفساد كبير وإنعدام الشفافية والعدالة، من خلال الواسطات (التي لا تستطيع بعض الإدارات الجامعية العيش بدونها) وكذلك تجارة إمتحانات القبول ومصداقيته وتفاوت الفرص لإختلاف بيئات التعلم للطلبة وظروفهم.
نأمل أن يدرس الموضوع جيدا، وأن يبقى القبول الموحد والتوجيهي، لانه ما زال يحمل ثقة الناس، ولكن يمكن تحسينه من خلال إضافة طرق تقييم لميول ورغبات الطلبة، إضافة لقدراتهم والتي يمثلها مؤشر معدل الثانوية العامة، والذي يحتاج أيضا لتحسين وتعديل، ليصبح قادرا على قياس قدرات الطالب بشكل أفضل، وأعتقد أننا غير مؤهلين بعد لخوض تجربة إمتحانات قبول في الجامعات تصاحبه هوامش لرأي الأقسام وغيرها، ونحن نعرف أن مجالس الحاكمية في أغلب جامعاتنا أصبحت ديكور..وشاهد زور، يتحكم بها شخص رئيس الجامعة، وتخيلوا معي عندما يكون هذا الرئيس غير كفؤ، ويلوي عنق التشريعات على هواه ومصالحة للمكوث على كرسي الرئاسة اطول فترة ممكنة، وكل قراراته وتعييناته تبادل مصالح ومقايضات مع المؤثرين على وجوده… !
الملف الآخر، ملف الموازي، وما أثاره معالي الوزير حوله، نتفق جميعا على ضرورة إلغاء الموازي، والبعض ينادي بعدم مشروعيته، ولكن عند طرح الحلول، نرجع خطوات للخلف، فمع مديونية الجامعات التي تصل 195 مليون دينار، وتلاشي الدعم الحكومي، وعدم إمكانية رفع الرسوم والسطو على جيوب المواطنين الفارغة والممزقة أصلاً… !، يُسقَط في يد صاحب القرار، ويصبح الموازي أفضل الممكن، ولكن إلى متى؟ الحل الوحيد هو أن تفهم الحكومة أن الإستثمار في التعليم هو أكبر إستثمار يمكن أن تمارسه، قد تكون نتائجه متوسطة وبعيدة المدى، لكن من التجربة كل الدول التي تقدمت، كان عماد تقدمها الإستثمار في التعليم والبحث العلمي، من هنا يجب توجيه ما يُحَصل لخزينة الدوله من دينار الجامعات للمجهود التعليمي وتسديد مديونية الجامعات، يجب أن تأخذ الحكومة قرارا جريئا بذلك، وأما الدعم بالفتات لن يحل المشكلة، فالجامعات دون الموازي لن تستطيع الإستمرار، في ظل عدم وجود دعم مادي حقيقي من الحكومة ومخصصات تجعل الجامعات ورؤسائها يذهبون إلى اهتماماتهم الأكاديمية، بدلا من طرق أبواب البنوك كل شهر لتأمين رواتب العاملين..!
لا يوجد حل لإلغاء الموازي غير ذلك، ولا أنسى طرح موضوع مجانية التعليم الجامعي، وقد طرح هذا التصور من خلال صندوق تكافلي وطني يتم إدارته وتأمين تمويله بطرق عدة، وهذا ليس ترفاً تفكيرياً ولا تنظيراً..! لكنه ممكن إذا تم أخذ قرار سياسي بذلك.
تبقى أمام الوزير مجموعة من الملفات المؤرقة، مثل ملف التعليم التقني، وملف مجالس الحاكمية، وملف تقييم رؤساء الجامعات وتعيينهم، وملف مراقبة أداء رؤساء الجامعات وفهم بعضهم أن الإستقلالية تعني فعل جميع الموبقات من تعيينات ومخالفات… ولا ننسى ملف الجامعات الخاصة… والذي قد يحتاج لمبضع جراح..! ولا أنسى ملف البحث العلمي وشيطان الترقيات...! وكذلك ملف البرامج وتحديثها، والإعتمادية والجودة وغيرها، نقول لوزير التعليم العالي أعانك الله ونأمل أن تفعل شيئا ً فعلياً في هذه الملفات التي ترزح مكانها منذ سنوات… وتعرضت عمداً… للتسويف والتمويت وحرق المراحل… وعلى مبدأ؛ إعمل تخطئ… لا تعمل لن تخطئ… ولا تنبش عش الدبابير لتدوم طويلا في منصبك… مورس كل هذا سابقا، ونأمل أن لا يتكرر ونرى التغيير المأمول لا ذر الرماد في العيون… حمى الله الأردن.