لربما هذان أمران في غاية الأهمية في حياتنا الإيمانية، فلا تستقيم بغيرهما. فحياتنا اليوم محاطة بالكثير من التحديات والمشاكل ولكننا مع كلِّ ذلك نعيش بالرجاء الغير منظور لأننا أبناء الرجاء الحيّ غير المنظور. فالخليقة بأسرها تئِّنُ من الخطيئة إذ أصبحت أسيرة العبودية والفساد وابتعدت تدريجياً عن قيم ومفهوم العدالة والحرية والقيم الروحية. وهذا ما يفسِّرُ جشعَ الشعوبِ وطمعِها وانغماسِها في مصالحِها على حساب كرامة كلِّ البشر ومساواتهم وحرياتهم.
والأمر تعدَّى الشعوب والأمم والدول إلى الأفراد، فتجبُّرَ الأقوياءُ بالضعفاء وأصحابُ السلطة والمال بالفقراء والضعفاء خيرُ مثال، وتباعاً غابت العدالة عن وجه الأرض. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فلو غابت عدالة الأرض فهناك عدالة السماء، مع أنّ رسالة المؤسسة الدينية أن تسعى لأجل العدالة والسلام والمصالحة في عالم اليوم وهكذا يأتي ملكوت الله على الأرض.
وقد ارتبط "الصبر" ارتباطاً عضوياً بمفهوم هذا الرجاء الحي، ويتأتى هذه الرجاء الحي من إيماننا بأننا لم نُخلق للبُطل والفساد والظلم والتفرقة العنصرية والتمييز الطبقي والعرقي والديني، بل خلقنا لأجمل قيم ومعاني الحياة التي تحمل في طياتها السلام والفرح والحرية والعدالة والمساواة والكرامة. ويشكل هذا الرجاء الحي العمود الفقري لقوة الصبر والإحتمال والجهاد المقدس متكلين على قوة القدير الذي سيُظهر مجدَهُ فينا. ولا يعني الصبر هنا الخلود إلى النوم واليأس أو شكلاً من أشكال الضعف أو الإنهزام بل المثابرة بالعمل الجاد مع التسليم لمن بيده كلُّ سلطانٍ مما في السماء وما على الأرض، والذي أعطانا نعمة الرجاء هذه.